التحوط النقدي بالذهب
يعتبر مصطلح ( التحوط النقدي Hedging) من أكثر المصطلحات الشائعة حالياً على الساحة الاقتصادية الدولية، وهو (عمل يهدف لتنويع المحفظة النقدية للتقليل من المخاطر المرتبطة بتحركات الأسعار لعملة ما، واعتماد إجراءات نقدية كالاعتماد على الذهب مثلاً أو غيره لمواجهة تقلبات الأسعار في السوق النقدية لبعض العملات المستخدمة مثل الدولار واليورو وغيرهما).
وأنا أقرأ آخر التقارير الاقتصادية عن التحوط والسياستين النقدية والمالية تذكرت جدتي (سكر) رحمها الله وكانت تتحوط بشكل عفوي من خلال اهتمامها بمواردها الذاتية المتاحة المحدودة من (دجاجات وحاكورة) فقط لمواجهة أعباء الحياة ، فمثلاً كانت تستعد لمواجهة انخفاض أسعار البيض بالاعتماد على منتجات حاكورتها من زيتون وزيت وبندورة وغيرها، وكلمة حاكورة هي كلمة عربية وتعني أرض صغيرة بجانب الدار تزرع بالأشجار والخضار.
حالياً إن أغلب دول العالم تسعى للتحوط الذهبي بدلاً من احتياطاتها النقدية من الدولار واليورو، وأكد بنك ( جي بي مورغان ) أن مشتريات البنوك المركزية العالمية لهذا العام من الذهب وصلت لأول مرة لحدود / 1100 / طن، وترافق مع زيادة الإنتاج من الذهب منذ سنة /2017/ حيث أنتجت الصين /455/ طناً سنوياً، وأستراليا (270 طناً) وروسيا (250 طناً)..الخ وتراجع دور جنوب إفريقيا التي كانت تعتبر الأولى عالمياً، كما أكد أيضاً مجلس الذهب العالمي ومقره بريطانيا أن أسعار الذهب ارتفعت بأكثر من /23%/ مقارنة مع السنوات السابقة وسيواصل ارتفاعه، وقد يصل سعر الأونصة إلى /3000/ دولار بعد النصف الثاني من سنة /2025/ ولأول مرة تاريخياً؟!، وهذا عمق من حالة (عدم اليقين) في السوق النقدية والمالية، وبدأت الأسئلة تتركز حول: هل ستزيح الصين أمريكا التي تمتلك /8100/ طن من الذهب عن عرشها الذهبي؟!، وهل ستستمر الدول الكبرى حالياً بزيادة احتياطاتها الذهبية على حساب الدولار واليورو لزيادة أرباحها ومكاسبها؟
من خلال تحليلنا للواقع الاقتصادي العالمي وجدنا أن أهم الأسباب الكامنة وراء ارتفاع أسعار الذهب تتجسد في زيادة الصراعات الجيوسياسية ( العدوان على غزة – توسع الناتو باتجاه آسيا والمحيطين الهندي والهادي لمحاصرة الصين وروسيا وقرع طبول الحرب – العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا – التوتر في منطقة شرق المتوسط – انتظار الرد الإيراني وحزب الله على “إسرائيل” بعد اغتيال إسماعيل هنية وفؤاد شكر- زيادة الطلب من البنوك المركزية والصناديق الاستثمارية لاقتناء الذهب واعتباره ملاذاً آمناً في ظل عدم الاستقرار الدولي- زيادة التدفقات الاستثمارية الآسيوية (الاقتصاديات الناشئة) وتفعيل الاستهلاك الداخلي فيها وهي تساهم بأكثر من /51%/ من متوسط معدل النمو العالمي المحقق- زيادة المديونية العالمية كما أكدت تقارير من (صندوق النقد الدولي ووكالة بلومبيرغ ونوفستي ) وغيرها على أن أكبر الاقتصاديات في العالم ( أمريكا والصين ومنطقة اليورو) هم أكثرها مديونية ، حيث يشكل الدين العام بالنسبة للناتج الإجمالي في أمريكا نسبة /123%/ وفي الصين / 88%/ وفي منطقة اليورو /89%/ وعلى مستوى العالم / 94%/ بشكل وسطي ،وسترتفع كثيراً في السنوات الخمس القادمة – ثبات أسعار النفط وارتفاع معدلات التضخم في أمريكا وأوروبا وتصريح رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي (جيروم باول) والبنك المركزي الأوروبي بالفشل في تقليل التضخم وعدم نجاح سياسة التسيير النقدي (تخفيض سعر الفائدة) بتخفيض أسعار الفائدة ولعدة مرات خلال سنة /2024/ خوفاً من سيطرة الركود الاقتصادي على أمريكا ودول السبع الصناعية وتوسع حربهما التجارية مع الصين- تراجع عمل البورصات العالمية وسلاسل التوريد وانسياب السلع والخدمات – زيادة دور منظمات بريكس وشنغهاي والاتحاد الروسي على الساحة العالمية ودعوتها للتقليل بالتعامل بالدولار واليورو …الخ، ويبقى السؤال هل يستمر هذا الوضع بزيادة بريق الذهب وأفول العملات الدولية؟ أم إنها فورة نقدية مؤقتة، وبعدها ستتراجع أسعار الذهب من خلال هبوط معدل الطلب عليه وعندها تتراجع أسعاره، أو أن يقوم البنكان المركزيان الأمريكي والأوروبي بتخفيض الفائدة على الحسابات قصيرة الأجل وزيادتها على السندات والإيداعات لفترات طويلة الأجل أكثر من /5/ سنوات، وبرأينا عندها سيتراجع متوسط أسعار أونصة الذهب، أسئلة وأسئلة حول السياسة النقدية والمالية العالمية والتحوط النقدي فهل ننوع في احتياطاتنا النقدية لمواجهة التداعيات القادمة منطلقين من أن مواردنا المتاحة والكامنة المادية من زراعة وصناعة ومواردنا البشرية هي احتياطاتنا الأساسية للتحول النقدي في سياستنا الاقتصادية النقدية والمالية وننطلق نحو المستقبل ورحم الله جدتي التي كانت تقارن بين إيراداتها ونفقاتها وتنوع من سلة الموارد لديها.