إنها الطاقة..!!
مازال للطاقة «الغاز والبترول» تأثير كبير في التوجهات الاستراتيجية للقوى الفاعلة في المنطقة والعالم، وخاصة تلك التي تطمع بالسيطرة عليها، وتدير الحروب العسكرية والاستخباراتية والدبلوماسية من أجلها، من هذا الباب ينبهنا كاتب عربي متابع إلى طبيعة المهمة المكلف بها المبعوث الرئاسي الأمريكي آموس هوكشتين في المنطقة والعالم، وكشف جوهر مهمة هوكشتين يكشف الكثير من دوافع وأهداف السياسة الأمريكية في المنطقة والعالم، خاصة من زاوية الطاقة والسعي للسيطرة عليها واستخدامها ضد الأخرين.
جرى تعيين أموس هوكشتين كبيراً لمستشاري الرئيس بايدن لشؤون الطاقة باقتراح من مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، أي أن مهمته مبعثها وأساسها الأمن القومي الأمريكي، ومجالها الطاقة «النفط والغاز» أساس فيها، وكما أراد الكاتب العربي فإن المهمة الأساسية لهوكشتين، كانت تعطيل خط «نورد ستريم» الروسي – الألماني، كخطوة من خطوات الحرب ضد روسيا، وفي سعي لحرمانها من مصدر قوة اقتصادية، يغذي ارتقاءها وقوتها العسكرية وبالتالي نفوذها في أوروبا، وفي الوقت نفسه يضعف من الصعود الاقتصادي الألماني المنافس لأمريكا.
ما لبث هوكشتين أن ظهر كوسيط في الترسيم البحري بين لبنان والكيان الصهيوني، وهو الترسيم الذي يسمح باستثمار الغاز من شرق المتوسط، ورغم أن هذا الاتفاق يتيح للبنان التنقيب واستخراج ثرواته من نفط وغاز في البحر، لكنه أيضاً سمح لـ«إسرائيل» باستخراج الغاز من حقل كاريش، والاستفادة منه مباشرة، خاصة أنه كان جاهزاً للعمل، وهذا الاستثمار للغاز من شرق المتوسط مخطط إيصاله إلى أوروبا كبديل عن الغاز الروسي، وبذلك فإن هوكشتين مازال في إطار مهمته المتوجهة لضرب قوة الغاز الروسي الاقتصادية، واستبداله بمصادر عديدة، من ضمنها غاز شرق المتوسط الإسرائيلي مبدئياً، ولو تم كل ذلك على حساب لبنان.
والآن بتنا نرى هوكشتين يحضر للمنطقة سعياً لتهدئة الحرب المشتعلة بسبب العدوان الإسرائيلي على غزة، وصرنا نراه ينصح ويحاول أن يحذر من خطورة توسيع الحرب، وهو يعد اللبنانيين بالازدهار والرفاه بدل الحرب وويلاتها إن استجابوا لنصائحه وتحذيراته، وهناك من يرى أن حرب غزة الإبادية، ومحاولة «إسرائيل» تدمير القطاع وتهجير أهله، ليست إلا مقدمة لتهيئة الظروف أمام «تل أبيب» لاستثمار واستخراج الغاز الكامن قبالة شواطئ غزة، والذي يقدره الخبراء بكميات هائلة.
هل ينسى أحد أن من أهم دوافع الحرب على سورية كان منع السوريين من استثمار نفطهم وغازهم في البحر المتوسط، خاصة أن توجه الرئيس الأسد كان يسعى لجعل سورية مركزاً لنقل وعبور طرق الطاقة بين جهات العالم، وكان واضحاً ما طرحه الرئيس السوري في استراتيجية البحور الخمسة، حيث بنى رؤيته على حقيقة أن «الشرق الأوسط مركز العالم وأن سورية قلب الشرق الأوسط»، وهذا ما يؤهل سورية لتكون مركز تقاطع وعبور وانطلاق طرق الطاقة من الشرق إلى الغرب وبالعكس، طبعاً هذا الاستثمار الوطني السوري لموقعها كمركز لنقل الطاقة، مع ما يعنيه من قوة لسورية «طير عقل إسرائيل» والغرب الأمريكي، ولم تتأخر الحرب العدوانية ضد سورية، ولم تتأخر مفاعيل إشعال الفتنة والفوضى ضمنها، واستخدام الإرهاب والتحريض عليها، وهي الحرب التي عطلت كل مشاريع سورية والتي وفرت الفرصة لسرقة ونهب ثرواتها من الطاقة، وهذا ما يكمله الآن هوكشتين في المنطقة والعالم خدمة لأمريكا و«إسرائيل».
أموس هوكشتين يهودي يحمل الجنسية الإسرائيلية إلى جانب الأمريكية، خدم وقاتل في الجيش الإسرائيلي، والآن هو مبعوث رئاسي أمريكي مكلف بمهمة أمن قومي أمريكي سلاحها النفط والغاز، ووسائلها قوة العسكرية الأمريكية الداعمة للهمجية الإسرائيلية العدوانية، إنه الغاز، وإنها الطاقة، المطموع بسرقتها واغتصابها بالحرب العدوانية، وبالإبادة الجماعية، وبالتدمير الوحشي، وبالتهجير المجرم، وبالدبلوماسية الماكرة المبتسمة.