فوضى الاقتصاد والأسواق العالمية والذعر المالي
يشهد الاقتصاد والأسواق العالمية منذ 5/8/2024 توترات وفوضى كبيرة، وسيطرة حالة عدم اليقين في البورصات وسوق الأسهم العالمية، وأطلق عليه (الإثنين الأسود) وساد اللون الأحمر على أغلب بورصات العالم امتداداً للأزمات السابقة، ويذكرنا هذا بالأزمات الاقتصادية الليبرالية والنيوليبرالية المتكررة مثل: (أزمة 1929 أزمة الكساد الكبير- أزمة 1987 في سوق الأسهم العالمية – أزمة انهيار العملات سنة 1997 انهيار العملات) وغيرها، وهذا يؤكد أن الخلل هو في البنية الهيكلية للاقتصاديات الغربية الليبرالية، ولا سيما ان هذه الأزمات انطلقت من الاقتصاد الأول في العالم ( الاقتصاد الأمريكي) الذي يشكل حالياً أكثر من /25%/ من الاقتصاد العالمي، ويدور الآن حديث بين الاقتصاديين هل هذا الانهيار مفاجئ أم متوقع ؟
برأينا انه متوقع وقد كتبنا كثيراً عن المستقبل الاقتصادي العالمي، وبرأينا مهما اختلفت أشكال الأزمات لكن جوهرها واحد وهو القيادة الأمريكية للسياسات الاقتصادية الناتّوية (الغربية) المركزية المستغلة للثروات العالمية وخاصة في الدول النامية) والمتجسدة في التطور اللامتكافئ المترافق مع تعميق التفاوت الاقتصادي بين دول العالم، ومن خلال تحليلنا لأسباب الأزمة المالية العالمية الحالية وجدنا أن أهم العوامل البنيوية الكامنة وراءها ومن باب ربط السبب بالنتيجة أو العلة بالمعلول نذكر أهمها:
تراجع مؤشرات الاقتصاد الأمريكي مثل ارتفاع معدل البطالة أكثر من المتوقع ولأول مرة وبمعدل /4،3%/ ولم يحصل هذا منذ /3/ سنوات، حسب الإحصائيات الأمريكية، وترافق مع تراجع عدد الوظائف المحدثة وتراجع الإنتاجية وأجور اليد العاملة وزيادة القلق من تصاعد الديون الأمريكية ودخول الاقتصاد الأمريكي في حالة الركود الاقتصادي – تراجع سلاسل التوريد العالمية بسبب التوترات الجيوسياسية وخاصة في أوروبا ودول شرق المتوسط (الشرق الأوسط)، وزيادة مؤشر المخاطرة العالمية وارتفاع تكلفة النقل والتأمين وإعادة التامين وانتظار رد محور المقاومة على الكيان الصهيوني- تراجع مؤشرات قطاع التكنولوجيا والذكاء الصناعي وارتفاع أسعار عقود الذهب الآجلة – ومن جهة أخرى تؤكد المعلومات أن /7/ من أكبر الشركات التكنولوجية العالمية خسرت حوالي /616/ مليار دولار بعكس التوقعات بارتفاع أسعار اسهمها – تزايد حدة التقلبات في أسعار الفائدة (سعر إقراض واقتراض النقود)، وتخفيض البنك الفيدرالي الأمريكي سعر الفائدة /0،50%/ حيث وصل سعر الفائدة الأمريكية إلى /5،5% / وهي أعلى نسبة منذ /23/ سنة، قرر مجلس المحافظين في البنك الأمريكي بانه سيخفض أيضا بتاريخ 17/9/2024 للمرة الرابعة مما زاد من تراجع الطلب على السندات الحكومية الأمريكية، بينما زادت الفائدة في اليابان من صفر إلى /0،25%/ بعد أن شهدت سوق الأسهم اليابانية ركوداً لم تشهده منذ /37/ سنة – تزايد الخلل في سوق العملات النقدية التقليدية وزيادة الذعر المالي من ( معاملات “الكاري تريد- Carry Trade) أو ما يطلق عليها أحياناً (تداولات الترجيح) أو (التداول بالفائدة والاقتراض الرخيص) وجوهرها الاعتماد على فروق أسعار الفائدة بين العملات المختلفة لتحقيق أكبر مكسب من خلال اقتراض وبيع العملات، ثم استخدام الفارق في شراء عملة أو سندات حكومية لتحقيق أعلى الأرباح وخاصة للين الياباني والدولار الأمريكي واليورو الأوروبي والبيزو المكسيكي. الخ ، واستثمار ذلك في العقود الآجلة بعد شهر أيلول (اجتماع مجلس المحافظين للبنك الأمريكي) وترافق هذا مع هروب المستثمرين بالسندات الأميركية وتحولهم للاستثمار في الين الياباني والفرنك السويسري باعتبارهما من الملاذات الآمنة وأثر هذا مباشرة على ( سوق وول ستريت الأمريكية) بسبب الهبوط القاسي للأسهم الأمريكية والأوربية، وكان المتوقع ( هبوط ناعم ) حسب توقعات البنك الأمريكي وأدى هذا إلى خروج الاستثمارات في قطاعات الأسهم المختلفة إلى السندات اليابانية وعوائدها- ارتفاع أسعار النفط وزيادة الأرباح النفطية بنسبة /18%/ عن الفترة المقابلة من سنة /2023 – تراجع صناعة ( الرقائق الالكترونية ) لأكبر الشركات مثل (إنفيديا -غوغل – مايكروسوفت – سوفت بنك- إنتل )، فقد انخفضت مثلا أسهم شركة ( إنفيديا ) ذالمؤسسة سنة /1993/ بنسبة /15%/ بعكس المتوقع وهي من أكبر شركات التكنولوجيا في العالم ومقرها
( كاليفورنيا – أمريكا )، علماً أن المراهنات كانت على زيادة أسعار أسهم هذه الشركة، وهذا أدى إلى زيادة الادخار على حساب الاستثمار مما أدى إلى تراجع معدل النمو الاقتصادي الأمريكي ..إلخ.
وهنا نسأل هل سيقوم البنك الفيدرالي الأميركي بضخ أموال وسيولة كما فعل في أزمة/1987/؟ أم سيتم تفعيل صناديق التحوط والسيادية والعملات المشفرة (بيتكوين وإيثريوم و بي إن بي وغيرها) والتي زاد سعرها بشكل متوسط حوالي /7،8%/ أي بما يعادل /2/ تريليون دولار بعد تأييد المرشح الأمريكي ( دونالد ترامب للتعامل بها ) وكما يقال: إذا أصيب الاقتصاد الأمريكي بنزلة برد فإن الاقتصاد العالمي يصاب بالتهاب رئوي.
لكن العالم تغير واستطاعت الصين رغم تأثرها بالازمة أن تتجنب الكثير من تداعياتها وانخفض مؤشر شنغهاي الصيني المركب بنسبة/ 1.54%/ ومؤشر شنتشن بنسبة/ 1.85%/ فقط كما لم تتأثر روسيا، وبراينا ستزداد التوترات المالية مع الجيوسياسية مستقبلاً والاقتصاد العالمي يمر بلحظات حرجة تنبئ بولادة نظام عالمي جديد قد يكون لمصلحة سورية ومحور المقاومة.