موفق بهجت
في الملف الثقافي الذي أعدّه الزملاء في الدائرة الثقافية في صحيفة “تشرين” حول حال الأغنية السورية اليوم؛ وخلاله حددنا أكثر من محور لنشتغل عليه، لكن حدث أيضاً أن تشعبت المحاور وتفرعت.. وكان الإلمام بكل حيثيات الأغنية السورية أقرب إلى الاستحالة أمام الحيز الضيق في النشر الصحفي..
وأزعم أنّ هناك الكثير من التجارب الغنائية في سورية، تحتاج كل واحدة منها لملف لقراءة التجربة.. من هذه التجارب كانت وستبقى تجربة المطرب السوري موفق بهجت الذي نوّع في الأغنية السورية لأبعد ما يكون التنويع، ورغم هذا التنويع؛ فقد كان له أسلوبه وبصمته الغنائية الخاصة مُشكلاً مساحة لا يُستهان بها في المشهد الغنائي السوري، ومُقيماً مدماكاً في العمارة الموسيقية السورية.. هنا حيث لكلِّ أغنية قصة، وحكاية، ودوافع وأسباب.. حكاية غنائية بأركانها الأساسية والقوية من كلمات وألحان وصوت..
أغنية جاءت بين جيلين، حيث جيل الكبار من عبد الحليم حافظ وفريد الأطرش وصباح فخري، ووديع الصافي ونصري شمس الدين، وجيل آخر أتى بعد ذلك وبقي مؤتمناً على الأغنية ومحافظاً عليها من الوقوع في براثن السطحية والابتذال.. جيل فهد بلان وفؤاد غازي، ومصطفى نصري وغيرهم..
تجربة موفق بهجت جاءت بعد أن انتهت أغاني الأفلام، تلك الأفلام التي كانت البطولة فيها من نصيب المطربين، والتي مهدّت لأغاني الفيديو كليب فيما بعد.. أغنية بهجت التي أعطت “الحركة” للمطرب والاستعراض والبهجة لأن يشغل خشبة المسرح كاملة، بعد أن كان “مؤدياً” ثابتاً خلف الميكرفون، وأظنه – بهجت – كان من المسرعين بإنتاجات الأغنية المصورة، أو الفيديو كليب، بعد أن خلخل الثبات والجمود على الخشبة بالحركة والانفعال مع صور الأغنية ومجازاتها، وقد قلده بهذه الحركة الكثير من المطربين فيما بعد، وهنا يخطر في البال تجربة المطرب اللبناني علاء زلزلي..
في رصيد المطرب السوري اليوم – الذي يعيش متنقلاً بين لندن ودمشق – عشرات الأغاني منها مثلاً: “يا صبحة هاتي الصينية، عالسيا السيا، يمكن حبيبي يمكن، ما قتلتني إلا العين الكحلاوية، بابوري رايح رايح، سلامي عليكم، جيتم بالسلامة يا عيني، مشيتك غية يا حمدة يا هيه، مهلك علينا مهلك، عجبي، أهلا بالحبايب، جايتني مخباية..” وغيرها الكثير ، تلك الأغاني التي جاءت بكامل المعاصرة، لكن دون أن تتخلى عن التراث، سواء جاء ذلك تناصاً، أو بالاشتغال عليه من جديد، وهو لم يكتفِ بما وفره التراث الغنائي السوري، بل بالكثير من التراث في بعض البلدان العربية، كما تنقل كثيراً بين اللون الشعبي وحتى الأغنية بالعربية الفصحى..
أذكر موفق بهجت، وأتفهم تماماً “عتبه الجميل” علينا، حيث لم يُذكر شيءٌ عن هذه التجربة الغنائية الغنية في الملف الآنف الذكر، وهو المتابع لأدق التفاصيل السورية حتى من مغتربه البعيد.. وهنا نذكّر إن زميلنا سامر الشغري سبق له وتناول تجربة الفنان موفق بهجت أكثر من مرة بالقراءة على صفحات جريدة “تشرين”.. وهذه الزاوية هي تحية حب لهذا المطرب الذي حمل الأغنية السورية إلى كل مغتربات العالم، وقدّم الصورة الجميلة لسورية كما الكثير من المبدعين السوريين وفي مختلف أنواع الإبداع.. وأختم بكلمات أغنية له، كثيراً ما أرددها بيني وبين نفسي:
لوين لوين لوين لوين
تاركني ورايح لوين؟!
ما بسامحك يا المطرحك
جوا القلب والعين..