بانتظار الرد الإيراني.. الوقت يستنزف الكيان ويشلّ عدوانه ويجبره على إعلان أول هزيمة كبيرة.. «إسرائيل» تحضر للتحشيد شمالاً اعتقاداً بأن الرد سيكون من لبنان
تشرين – مها سلطان:
في الترقب الإسرائيلي والأميركي «والإقليمي» للرد الإيراني، لم يُترك أمر أو شأن أو توقع أو احتمال، إلا وقد قيل، لكنّ أياً منها غير مؤكد، إذ إن إيران لم تفصح حتى الآن عن طبيعة وكيفية ومكان وزمان الرد، تاركة لـ«سلاح الانتظار» أن يأخذ كامل وقته في استنزاف أعصاب الكيان وهو يتأهب على كل الجهات والمستويات داخلياً وخارجياً تحسباً.. علماً أن العدوان الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية بدمشق يوم الإثنين الماضي، كان متعمداً وفق شبه إجماع وتأكيد – من قبل المحللين والمراقبين – على أن هذا العدوان كان هدفه الأساسي جرّ رد فعل إيراني يوفر للكيان الإسرائيلي باباً للهروب من الهزيمة الحتمية له في قطاع غزة، ويُغرق المنطقة في حرب أوسع توفر بدورها للكيان الفرصة الأهم لتكريس وجوده وتشريعه باعتبار أنه في نهاية كل حرب هناك خريطة جديدة ترسم، جغرافياً وسياسياً، وهذا ما تريده الولايات المتحدة الأميركية أيضاً، تمارسه من دون أن تعلنه، وتكرسه من خلال دعمها المطلق الذي تؤكده بصورة مستمرة للكيان، وبما يمثل استمرار الضوء الأخضر الأميركي ليفعل ما يريد، هذا إذا ما استبعدنا مسألة أن العدوان الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية بدمشق تم من دون موافقة واشنطن.. وللحقيقة فإن لا أحد يستبعد هذه المسألة مهما أطلقت من تصريحات تنفي ذلك.
ماذا لو طال زمن الرد الإيراني إلى الفترة التي لم تعد تخدم الكيان.. هل سيلجأ عندها إلى استفزاز جديد أكثر حرجاً يجبر إيران على حتمية الرد المباشر ومن دون تأخير
بانتظار الرد
لكن ماذا لو طال زمن الرد إلى الفترة التي لم تعد تخدم الكيان الإسرائيلي، وماذا لو أن إيران قررت عدم الرد بصورة مباشرة «رغم أن هذا الاحتمال لا يبدو وارداً بصورة كبيرة باعتبار أن إيران أعلنت حتمية الرد وبصورة مباشرة»، لكن لنفترض أنها قررت ذلك وهي التي لديها جبهات عدة تستطيع الرد من خلالها وبصورة موجعة جداً؟.. ألا يمكن أن تتغير السياسات والاستراتيجيات وفق كل مرحلة، وماذا لو غيرت إيران استراتيجيتها في الرد واتجهت نحو «رد جماعي» قائم على وحدة جبهات الإسناد، أليس هذا أخطر على الكيان الإسرائيلي وأميركا من رد منفرد مباشر؟
فعلياً، وفيما ندر جداً، فإننا لا نجد أحداً يجادل في حنكة ودهاء السياسة الإيرانية، وحرفيتها العالية جداً في إدارة ملفاتها الداخلية والإقليمية، والقدرة الدائمة على اكتساب أوراق قوة جديدة في كل مرحلة ووفق مستجداتها ومقتضياتها، وهو أمر ينسحب حتى مع وصول صراعها مع أعدائها وخصومها إلى هذه المرحلة الحرجة جداً، خصوصاً بعد العدوان على قنصليتها بدمشق.
لنعد إلى مسألة تأخير الرد آنفة الذكر «أو حتى للافتراض بعدم الرد المباشر» فهل إن الكيان سيلجأ إلى عدوان جديد على هدف إيراني آخر «ليس شرطاً أن يكون في سورية» بصورة أكبر وأوسع، وأكثر استفزازاً وإحراجاً وبما يجبر إيران على حتمية الرد من دون تأخير؟
دائماً كل الاحتمالات والسيناريوهات واردة، وكلما تقدم الوقت، وطال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، باتت سيناريوهات الحرب الموسعة أكثر إمكانية وقرباً.. والوقت لم يعد في مصلحة الكيان الذي استهلكته ستة أشهر من القتل على جبهة غزة من دون نتائج، وها هو اليوم يجد نفسه مجبراً على الانسحاب (في أول هزيمة كبيرة وقاسية ومُعلنة) من معظم جبهة غزة للراحة وترميم فائض الإرهاق والإجهاد (ونقص التجنيد والتسليح) الذي يغرق به جيشه، والذي يعمق بالتوازي مآزق حكومة الكيان ومتزعمها بنيامين نتنياهو.
الكيان سجّل أول هزيمة كبيرة معلنة عندما وجد نفسه مجبراً على الانسحاب من كامل جنوب القطاع طلباً للراحة وترميم حالة الإرهاق والإجهاد التي تسيطر على جيشه
في تحليل الانسحاب
أيضاً في الحديث والتحليل عن انسحاب جيش الكيان الإسرائيلي من كامل جنوب قطاع غزة، تتعدد السيناريوهات لما بعد الانسحاب، وتشهد تضارباً وتناقضاً على مستوى الكيان.
فريق من متزعمي الكيان ووسائل إعلامه، يقول «إضافة إلى حديث الراحة آنف الذكر»: إن الانسحاب يأتي في إطار الاستعداد للحرب على الجبهة الشمالية «لبنان» حيث يستمر القصف المتبادل بصورة متصاعدة متجاوزاً «الحدود» إلى العمق.
وحسب بيان لجيش الكيان أمس عقب إعلان الانسحاب، فإن هذا الانسحاب يأتي «استعداداً للمرحلة التالية من الحرب»، ويقصد هنا لبنان، مشيراً بصورة غير مباشرة إلى ترقب أن يكون الرد الإيراني من جبهة الشمال، وعندما يحتاج هذا الاستعداد لمثل هذا القرار العسكري الكبير فإننا حكماً نستطيع توقع حجم ومستوى حالة الترقب والتخوف التي يشعر بها الكيان حيال الرد الإيراني إذا ما كان قادماً من الشمال وبما استدعى تجميع كل الجيش على هذه الجبهة، ولاحقاً وضمن بيان جيش الكيان هناك تأكيد صريح ومباشر على أن هذا الاستعداد يسمح بـ«التجنيد الفوري لقوات الاحتياط ووصولها إلى خط الجبهة خلال فترة وجيزة مع كل المعدات اللازمة للقتال».
وكان وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت صرح أمس بأن «الجيش الإسرائيلي استكمل استعداداته للرد على أي سيناريو يمكن أن يحدث في مواجهة إيران».. بينما كان الجيش الإسرائيلي يعلن أن كل ألويته غادرت جنوب قطاع غزة ما عدا الفرقة 162 ولواء «ناحال» حيث سيتركز انتشارهما على ما يسمى الخط الفاصل (خط نتساريم) وهو ممر أقامه جيش الكيان لقطع الشمال عن الجنوب ومنع النازحين من العودة إلى شمالي القطاع.
بدوره، هرتسي هاليفي رئيس الأركان الإسرائيلي صرح بأن «الجيش قادر على التعامل مع أي تهديد إيراني»، وقال في بيان أذاعه التلفزيون الإسرائيلي: إن «إسرائيل» تخوض حرباً على جبهات متعددة وتستطيع مواجهة إيران في ميادين قريبة وبعيدة، مؤكداً في الوقت ذاته أن «الحرب في غزة مستمرة وأن إسرائيل تستعد لإمكانية اندلاع حرب مع لبنان».
الكيان لم يستطع إلا أن يربط الانسحاب بسيناريوهات الاستعداد للرد الإيراني وتوقعات بأن يكون من جبهة الشمال وعليه فإن أغلب قواته سيتم تجميعها على هذه الجبهة
لبنان أم رفح؟
الفريق الثاني من متزعمي الكيان، ومن ضمنهم غالانت الذي ناقض حديثه عن جبهة الشمال حديثه عن جبهة رفح، هذا الفريق يقول، إن الانسحاب يأتي في إطار التحضير لـ«مهمة رفح» وذلك بعد أربعة أشهر من إطلاق العملية البرية (بدأت في3 كانون الأول الماضي) وستة أشهر من الحرب على قطاع غزة.
وزعم غالانت أن القوات انسحبت من جنوب قطاع غزة «خان يونس تحديداً» لأن حركة حماس «لم تعد تعمل كتنظيم عسكري في كل أنحاء قطاع غزة»، بمعنى أنها لم تعد تهديداً، وعليه سيتم التوجه إلى رفح بزعم أنها آخر معاقل حماس.
وتأتي هذه التصريحات حول رفح رغم كل التحذيرات الإقليمية والدولية من عواقب مهاجمة رفح، ورغم كل ما يقال عن رفض الولايات المتحدة ذلك من دون وجود خطة واضحة سواء على مستوى الهجوم أم على مستوى الوضع الإنساني، حيث يتركز في رفح مليون ونصف المليون من الفلسطينيين الذين نزحوا إليها، إضافة إلى أهلها.
لكن، لا يخفي هنا، أن أكبر المخاوف تتركز على مصر، وتحديداً على اتفاقية كامب ديفيد، وما يمكن أن يذهب إليه الكيان الإسرائيلي من مدى ومساحة في الهجوم على رفح بما يضر أو ينتهك بصورة خطرة ترتيبات اتفاقية كامب ديفيد مع مصر.
وكان لافتاً ما نشرته صحيفة «هآرتس» نقلاً عن كبار ضباط جيش الكيان الإسرائيلي حول أن الانسحاب هو حكماً بسبب حالة الإرهاق القتالي وليس من باب حسن النيات تجاه مفاوضات الهدنة وتبادل الرهائن والأسرى.
وأشاروا إلى وصول قادة جيش الكيان إلى حقيقة أنه «لا جدوى من وجود كبير للجيش في غزة، وأنه من دون التقدم إلى مواقع قتال جديدة فإن حياة الجنود معرضة للخطر»، بينما أشار آخرون إلى أن جيش الكيان يأمل بأن يقود الانسحاب إلى خروج عناصر حماس من مخابئهم، ليكونوا في مرمى النيران الإسرائيلية.
وهذا يتناقض مع تصريحات غالانت وهاليفي عن انتهاء حماس عسكرياً وانتفاء خطرها.
التناقض الأكبر جاء من نتنياهو الذي اعتبر أن الكيان على بعد خطوة واحدة فقط من النصر، مؤكداً عدم وقف إطلاق النار حتى استعادة المحتجزين كلهم.. وقال نتنياهو في كلمة أمام مجلس الوزراء أمس الأحد لمناسبة مرور ستة أشهر على إطلاق العدوان على غزة: نحن على بعد خطوة واحدة من النصر، لكن الثمن الذي دفعناه كان مؤلماً ومفجعاً.
الموقف الأميركي
الولايات المتحدة الأميركية علقت بدورها على الانسحاب الإسرائيلي، واعتبر البيت الأبيض اليوم الإثنين أن هذا الانسحاب من المرجح أنه يتيح لجنود الجيش الإسرائيلي الراحة وإعادة تجهيز أنفسهم بدلاً من التحرك نحو عملية جديدة، وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي: من الصعب معرفة ما يخبرنا به ذلك بالضبط الآن، «في إشارة إلى غموض الأهداف الإسرائيلية وأسباب الانسحاب»، مضيفاً: القوات الإسرائيلية تشعر بالتعب والانسحاب هو للتعافي والاستعداد للعمليات المستقبلية.
يأتي كل ما سبق مع فشل جديد لمسار التفاوض حول الهدنة وتبادل الأسرى والمحتجزين، الذي كان قد استؤنف في العاصمة المصرية القاهرة أمس الأول السبت، والذي كان بمشاركة أميركية من مستوى رفيع تمثلت بوليم بيرنز مدير الاستخبارات المركزية الأميركية.