المنطقة مجدداً تحبس أنفاسها ترقباً وتشاؤماً.. هل اقتربت الحرب الإقليمية؟ أم إن مسار الضبط والانضباط ما زال حاجة تحكم وتحتوي قواعد الاشتباك المتفجرة؟
تشرين- هبا علي أحمد:
ترتفع سخونة المشهد الإقليمي ويبدو أن الأمور تسير مسرعة نحو الانفلات بشكل لم تعد هناك مقدرة لدى أي طرف في جبهات الإقليم المتسع والمشتعل على الضبط، ولاسيما أن قواعد الاشتباك في تغيّر يومي، إن صح القول، ويبدو أن الكيان الصهيوني ومعه الولايات المتحدة الأميركية يسيران نحو إشعال المنطقة بحرب كانت مؤجلة مراراً لكنها اليوم حاجة لعدة أسباب أبرزها ترميم صورة الصدع الإسرائيلي والهزيمة الأميركية والخروج من مأزق غزة على صورة «لا غالب ولا مغلوب» وتثبيت الواقع على ما هو عليه، ومن الأسباب أيضاً وأهمها الفصل بين جبهات الإقليم التي تكتلت وتجمّعت من سورية إلى لبنان والعراق واليمن وإيران تحت عنوان نصرة غزة، إذ إن هذه المعركة هي معركة وجود وتثبيت وقائع في منطقة مشتعلة على الدوام وبحاجة إلى إعادة تشبيك وتشابك في سياق مجابهة العدو الصهيوني وهذه هي أنسب الفرص لتفرض جبهات الإقليم كلمتها بكامل عديدها وعتادها وكامل قوتها ووحدة حالها.
واشنطن والاحتلال نحو إشعال المنطقة بحرب تأجلت مراراً لكنها اليوم حاجة لأسباب أبرزها ترميم صورة الصدع الإسرائيلي وأهمها الفصل بين جبهات تكتلت لنصرة غزة
– الدفع باتجاه الحرب
ولأن العدوان الإسرائيلي تجاوز غزة إلى الإقليم منذ بداية الحرب، كانت جبهات الإقليم حاضرة على الدوام بالدعم والمساندة ما دفع كيان الاحتلال الإسرائيلي إلى التعويض فيها عن خسائره، إلّا أن الأمور وصلت اليوم إلى ما يتجاوز التعويض عن الخسائر، حيث وصلت إلى الدفع باتجاه حرب ضبطت جبهات الإقليمي نفسها عن أن تكون هي البادئة بها وأن يجرها الكيان إليها، لكن ومع استهداف العدو الإسرائيلي مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق في خرق فاضح لكل القوانين والمواثيق الدولية واستهداف سيادة البلدين – سورية وإيران- فإن الترقب لما بعد الاستهداف سيكون سيّد الموقف.. إذ إن الترقب لن يقتصر بأي حال على انتظار طبيعة الرد الإيراني متى وأين وكيف؟ بل الترقب سيسري بالضرورة على جبهات الإقليم عموماً كل من موقعه وحسب آلياته في الردّ، فالمعركة واحدة وإن كانت طبيعة الرد الإيراني هي المرتقبة بصورة أكبر مع فتح مرحلة جديدة من الصراع مع العدو وكسر قواعد الاشتباك السائدة.. وأبرز ما يتمّ الحديث عنه اليوم هو هل ينجر الإقليم إلى حرب، وإن اندلعت الحرب ما صورة الإقليم في «يومه التالي» بعدها؟
إلّا أن الجواب يبقى مقيّداً ربما بالكثير من الاعتبارات، كما أن كل الاحتمالات واردة في آنٍ معاً، والجواب يبقى أيضاً رهن تطورات كل ساعة في سياق الإقليم.. وفي السياق أيضاً يبدو مثيراً للسخرية ما أتت الولايات المتحدة على ذكره بأنها لم تكن على معرفة بالهجوم، وكذلك يبدو مضحكاً أن الكيان يريد جرّ واشنطن إلى حرب، لأن أي خطوة كبيرة أو صغيرة يقوم بها الكيان هي بالضرورة بضوء أخضر أميركي.
مع استهداف الكيان للقنصلية الإيرانية بدمشق فإن الترقب سيّد الموقف وهو لن يقتصر بأي حال على انتظار طبيعة الردّ الإيراني بل سيسري على جبهات الإقليم فالمعركة واحدة
– الرد
إيران كانت واضحة ومباشرة، إذ قال قائد الثورة الإسلامية في إيران علي خامنئي: إن الكيان الصهيوني سيتلقى عقابه على يد رجالنا وسيندم على الجريمة، وشدّد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي على أنّ الاعتداء الوحشي الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية هو جريمة إرهابية جديدة وانتهاك للقرارات الدولية، وأنّ الكيان الصهيوني يلجأ إلى الاغتيالات الجبانة، نتيجةً انهزامه وفشله أمام عزم مجاهدي جبهة المقاومة، قائلاً: فليعلم الصهاينة أنهم لن يحققوا أهدافهم، وجريمة الاعتداء على القنصلية بدمشق لن تمّر من دون رد، في حين حمّل وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، كيان الاحتلال مسؤولية عواقب هذه الخطوة، مطالباً واشنطن بتحمّل مسؤولية العدوان باعتبارها الداعم للكيان الصهيوني، كما طالب المجتمع الدولي بإجراءات حاسمة تجاه الجرائم الإسرائيلية، بينما أشار المتحدّث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني إلى أنّ الأبعاد المختلفة للعدوان هي قيد النقاش، محمّلاً «إسرائيل» مسؤولية تبعاته، ومشدداً على أنّ إيران هي التي تقرّر نوع الرد ونوع العقاب للكيان الصهيوني على هذا الهجوم.
وفي مساندة واضحة، أكد حزب الله في لبنان أنّ جريمة الاحتلال الإسرائيلي باستهدافه القنصلية الإيرانية بدمشق، التي أدت إلى ارتقاء عدد من المستشارين في حرس الثورة الإسلامية الإيرانية، لن تمرّ من دون أن ينال هذا الاحتلال العقاب والانتقام، لافتاً إلى أنّ هذه الجريمة تدلّ على أنّ الاحتلال ما زال على حماقته حين يعتقد أنّ تصفية القادة يمكن أن توقف المدّ الهادر لمقاومة الشعوب.
وأمس، قال وزير الخارجية والمغتربين الدكتور فيصل المقداد من مقر السفارة الإيرانية بدمشق: كيان الاحتلال الإسرائيلي لن يستطيع التأثير في العلاقات التي تربط بين إيران وسورية، معبراً عن إدانة سورية للاعتداء الإرهابي الشنيع الذي استهدف مبنى القنصلية الإيرانية بدمشق وأدى إلى استشهاد عدد من الأبرياء، كما عبر عن وقوف الجمهورية العربية السورية إلى جانب الجمهورية الإسلامية الإيرانية إزاء ما تتعرض له من اعتداءات تعبّر عن حالة الهستيريا التي يمر بها الكيان الصهيوني من جراء فشله الذريع في حربه على الشعب الفلسطيني في غزة، مؤكداً أن الهمجية الإسرائيلية باتت لا تميز حتى الأعيان المدنية أو الدبلوماسية المحمية بموجب القانون الدولي.
واستدعى الاعتداء الإرهابي الإسرائيلي الذي استهدف القنصلية الإيرانية في دمشق إدانة عربية ودولية واسعة حذّرت جميعها من العواقب الخطرة للاعتداء.
– الاعتداء الصهيوني ومجلس الأمن
مرة جديدة يوضع مجلس الأمن الدولي أمام مسؤولياته – التي يفشل دائماً في تحمّلها- على خلفية الاعتداء الصهيوني على القنصلية الإيرانية في دمشق، ورغم أنه لا جديد يمكن أن يقدمه المجلس، إلّا أنه وبطلب من روسيا يعقد جلسة عاجلة اليوم بشأن الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية، كما طالبت إيران بعقد اجتماع عاجل للمجلس، وبالتالي فإننا أمام معركة دبلوماسية ولكن ماذا بعد الإدانات، هنا السؤال الذي لا بد من الإجابة عنه، لأن المشهد معروف مسبقاً، دول تدين ودول تمتنع عن الإدانة وفي مقدمتها واشنطن التي ستطل علينا برأسها المراوغ والمنافق كما اعتدناه.
– «إسرائيل» لم تتجاوز كل الخطوط فحسب.. لقد فعلت كل شيء حتى يكتب التاريخ في المستقبل أنها انتحرت
ورغم همجية العدوان وجرائمه، إلّا أن العديد من الخبراء يصرحون بأن «إسرائيل» لم تتجاوز كل الخطوط فحسب، لقد فعلت كل شيء حتى يكتب التاريخ في المستقبل أنها انتحرت، كما أن ما فعلته هو أكثر من مجرد تجاوز الخط، في الواقع يتحدى الجانب الإسرائيلي طهران في المعركة، حسب ما ورد في موقع «دزون» الروسي.
ويرى الموقع أنّ ردّ إيران على استهداف الاحتلال الإسرائيلي لمستشاريها في مبنى قنصليتها بدمشق سيكون مبتكراً وعملياً ومتوازناً، مشيراً إلى أنّ طهران ستستغل ثغرات في «الدفاع»، لافتاً إلى أن الضربات الانتقامية ستصبح أكثر شدة، وهناك العديد من نقاط الضعف، وفي المقام الأول النقل البحري، ويمكن ضرب الشخصيات.. ونحن نعلم أن المخططين الإيرانيين يعرفون نقاط الضعف في «إسرائيل».
وختم الموقع بالقول: عليك أن تفهم شيئاً بسيطاً للغاية، الآن ستدمر إيران «إسرائيل» بمجرد أن تكون واثقة بقدرتها على القيام بذلك.. ولن يكون هناك أحد في العالم كله قادراً على القول إن طهران ليست على حق.