“المثقف الذي نحتاج إليه” في فرع طرطوس لاتحاد الكتاب العرب
طرطوس- ثناء عليان:
يحفل التاريخ الإنساني بقصص الصراع بين المثقف وأعداء الثقافة والحياة، وتلك القصص من التاريخ، لا تثير الاستغراب، لأننا نُدرك حجم خطورة دور العلماء والمثقفين الحقيقيين، الذين يمتلكون ناصية الحق والحقيقة، ويستطيعون إيصالها للناس، لتفعل فعلها في وجودهم ومستقبلهم وتقرير مصيرهم.
هذا ما أكده الأديب أيمن شعبان خلال المحاضرة التي ألقاها في فرع طرطوس لاتحاد الكتاب العرب بعنوان “المثقف الذي نحتاج إليه” مبيناً أنه ليس بالضرورة أن يكون المثقف كاتباً أو شاعراً أو فناناً أو معلماً أو جامعياً، إلّا اذا كان يعرف كيف يوظف علمه ومعارفه ومواهبه ومهاراته في إنتاج أفكار جديدة ونافعة، يتفاعل فيها مع المجتمع الذي يعيش فيه، ويساهم في نهضته الثقافية، سواء في القضايا الاجتماعية التي يعيشها، أو في القضايا الكبيرة التي تهم الوطن.
الحياة الثقافية قبل الأزمة
ولفت إلى أن الحياة الثقافية في سورية كانت قبيل الحرب الإرهابية عليها، حافلة بالبرامج والندوات والمهرجانات والملتقيات وغيرها الكثير من النشاطات والفعاليات الثقافية، وكان يدعمها حضور وشغف وتفاعل وتواجد ومشاركة من كلِّ الأطياف والشرائح المتعلمة والمثقفة في المجتمع، وكان هذا المشهد يعكسُ الصورة الحقيقية للتجانس بين الثقافة والمثقف.. ونوه إلى وجود الكثير من القامات الثقافية التي كانت وما تزال قادرة على أن تحفظ صحة الحياة الثقافية بمشاركاتها وإبداعاتِها وإسهاماتِها وعطائها وخصوصاً في الحروب والأزمات، واليوم نشهد حركة متجددة لتلك الأنشطة والفعاليات الثقافية، إلا أن هناك تراجعاً بوتيرة فاعليتها والاهتمام الرسمي أو الشعبي بها، وخاصة فئة الشباب، وحضورها ومتابعوها قِلّة، وإذا استمر هذا التراجع، فالخاسر الأكبر في ذلك هو الأجيال القادمة التي من المفترض ألَّا تتوجه للعالم الافتراضي ووسائل التواصل الاجتماعي بقــدْر ما تتوجه إلى الواقع بكل تجلياته.
تراجع الحالة الثقافية
ويرى شعبان أن الحالة الثقافية عموماً قد تراجعت بفعل “بعض حملة الأقلام”، الذين أنتجوا أعمالاً تافهةً، بمضمون سخيف وأسلوب ركيك، فكتبوا وطبعوا ونشروا شعراً أو نثراً أو مقالة أو رواية أو قصة أو كتاباً، وهذا الانحدار والإسفاف يعد ببساطة تجنياً على الأدب وإسفافاً فيه، في الوقت الذي نجد فيه أدباءَ مبدعين كُثراً مغمورين لم يُروَّج لهم، ولم نسمع عنهم، ولم نقرأ لهم، وقد خطّت أقلامُهم إبداعاتٍ فيها الكثير من المتعة والفائدة، ولكنهم لا يكتبون الغَثَّ التافه، ولا هذا المستوى من الهذيان!..
ومن أسباب التراجع أيضاً، اهتمام الناس الكبير بشبكات التواصل الاجتماعي وخصوصاً منها تلك التي تقتل الوقت، وتسخِّف العقل، وتحتفي بالتفاهة، وتزدري الفكر والقيم الإنسانية، وتخلق بدورها تباعداً وقطيعة بين المجتمع من جهة والثقافة والمثقفين من جهة أخرى، إضافة إلى تأثر الناس بالعامل الاقتصادي الضاغط، وضعف الدخل، وانشغالهم بتأمين لقمة عيشهم، وغلاء الكتب، واختفاء الصحف والمجلات الورقية، وانصراف الناس عن القراءة، وغيرها.
تباين في المواقف
والمثقف الذي نريده ونحتاج إليه –يضيف شعبان- هو شخص متواضع محبوب، يتمتع بمؤهلات وخبرات ومزايا وصفات تجعله قادراً على القيام بدوره التثقيفي التنويري، والمساهمة في إحداث نهضة متجددة يعود من خلالها للحياة الثقافية وهْجُها وتألقها.
وأشار إلى التباين الذي ظهر تباعاً في مواقف المثقفين مع تطور الحرب الإرهابية على سورية، فهناك من المثقفين من صدمه هول المشهد، وأوهنه ضَعفُه، فاكتفى بدور المتفرج الصامت إزاء ما كان يحدث وكأنه غير معني بما يجري، وهناك من لم تسعفه قيمه وأخلاقه ووعيه في تحديد موقعه ومكانه، وعجز عن تحديد هويته وموقفه بشكل واضح وعلني، وبقي رمادياً يميل مع كل ريح، وبعضهم الآخر دفعتهم نفوسهم الموتورة وأحقادُهم المتوارثة إلى الهروب من حضن الوطن إلى أحضان أسيادهم في بعض الدول العربية والغربية تحت ذريعة اللجوء والمعارضة، فافتُتِحت لهم قنواتٌ ومنصاتٌ سوداء، وصحفٌ صفراء، ليزيّفوا ويحرّفوا ويفبركوا ويحرِّضوا من خلالها على الكراهية والعنف والتمرد والفوضى في سورية.
دور اتحاد الكتاب
بالمقابل, وفي نفس الوقت، قيّض الله لهذا الوطن نخبةً من المثقفين الشرفاء العقلاء الوطنيين, الذين قدموا أبحاثاً ودراساتٍ اجتماعيةً واقتصاديةً ونفسيةً وتوعويةً لتفادي الأزمات والتعامل مع المستجدات، فكانت كلمات هؤلاء المثقفين الوطنيين الحقيقيين ومواقفُهم وتحركاتُهم، رصاصاً حياً في وجه قوى العدوان والإرهاب والتكفير والخيانة والغدر.
وأشار إلى دور “اتحاد الكتاب العرب في سورية” في وضع الخطط والبرامج والنشاطات، وتنفيذ الندوات الحوارية والمحاضرات واللقاءات والمهرجانات والمسابقات والجوائز ومعارض الكتب وإصدار المجلات والدوريات ونشر الثقافة التنويرية، مع التركيز على الأدب المقاوم والرصين، معززاً بذلك من حضوره محلياً وخارجياً لكشف حقيقة وأبعاد وأهداف الحرب الكونية الإرهابية العدوانية التي تعرضت لها سورية، وموضحاً هويته الوطنية ومواقفه النضالية الرافضة للخنوع والتطبيع، إضافة إلى إقامة أنشطة ركزت على الأطفال والشباب بصفتهم أبناءُ المستقبل الثقافي الوطني. كما حذت حذو الاتحاد بعض الملتقيات الأدبية والمنتديات والنوادي والمراكز الثقافية.