في عيد ميلاده.. موفق بهجت يستذكر الشاعر الراحل شفيق المغربي.. سائق الألحان الذي صنع النجوم
دمشق- سامر الشغري:
في عيد ميلاد الفنان الكبير موفق بهجت الذي صادف يوم أمس، أحببت وأنا أعايده، عبر خط الهاتف، أن أسأله عن أغنيته التي قدمها قبل نصف قرن، والتي عزفتها معه فرقة الربيع الموسيقية بقيادة المايسترو أسعد خوري، هذه الأغنية كانت “سلامي عليكم”.
المقربون من فناننا الكبير يعرفون أنه بمجرد سؤاله عن أعماله التي قدمها في الماضي وذكرياته عنها، تنداح منه الخواطر والصور والمعلومات، فهو بحق كنز مفتوح يوثق للعصر الذهبي للأغنية العربية برمتها بنجومها وصناعها.. وهذا ما حصل عندما سألته بأني أعرف أن من لحن أغنية “سلامي عليكم” موسيقار رائع في أغنيتنا السورية اسمه سعيد قطب، ولكني أجهل من هو كاتب كلماتها، فجاءني صوته دافئاً مشبعاً بالحنين من مدينة الضباب لندن; إنه الشاعر اللبناني الراحل شفيق المغربي.
وسرعان ما تواردت الخواطر والحكايات والصور من ذاكرة بهجت الذهبية، عن واحد من أهم شعراء الأغنية لا على مستوى لبنان فحسب بل في الأقطار العربية برمتها، وكان الأبرز في الكم والنوع منذ ستينيات القرن الماضي حتى رحيله المبكر في سنة 1983 عن عمر لم يتجاوز الـ53، ولكنه ترك أثراً لا يجارى، وكتب أغنيات لا تزال حية نضرة رغم تتالي السنين وغزارة الأنغام.
لقد كان هذا الشاعر الأعجوبة يعمل سائق تاكسي على خط دمشق – بيروت، وظل يمتهن هذا المهنة ويعتاش منها حتى وفاته، فلم تكن كتابة الأغاني وحدها في تلك الأيام كافية لأن يؤمن رب العيال قوت أسرته ويلبي احتياجاتها.. كان المغربي مع سيارته كما وصفه الأستاذ موفق بمنزلة شريان ينقل الفن بين هاتين المدينتين “دمشق و بيروت”، وكان يوصل مطربي لبنان الهاربين من لظى الحرب الأهلية في بلادهم إلى دمشق الآمنة ليحيوا حفلاتهم في مرابعها ومطاعمها، ثم يعود بهم إلى بيروت مجدداً، عابراً من وسط المعارك ومن بين حواجز الأطراف المتحاربة.
كان المغربي كلما سئل عن أحوال مدينته بيروت من جراء الحرب سقطت دموعه، وغرق في حزن دفين قهراً لما أصاب ست الدنيا من دمار وخراب، ولقد عجل منيته ما حل بها من جراء غزو الاحتلال الإسرائيلي سنة 1982.
شفيق، كما وصفه الأستاذ موفق، هو الشاعر الحالم وسائق أجمل الكلمات التي صنعت نجومية أسماء كبيرة من ملحم بركات وسمير يزبك وفريال كريم وجورجيت صايغ وعصام رجي ووليد توفيق وغيرهم الكثير، فهل ننسى: حلف القمر و على بابي واقف قمرين، و دقي دقي يا ربابة، وألو بيروت، و نوينا عالجازة ووجه السعد، و الطربوش، وأبوكي مين يا صبية، وهزني وعشرات من الأعمال الناجحة.
واليوم لا أحد في لبنان يتذكر شفيق المغربي، سوى موفق بهجت هذا الفنان المغرق في الوفاء والمحبة، حيث أخبرني أن أغنية (سلامي عليكم) كانت تدشيناً من المغربي لذلك الولع القديم عند بهجت بالقوافي الساكنة حيث نجد في الأغنية: “سلامي عليكم..كيفكم..مشتاقة عيوني ..تشوفكم في غيابكم .. وحضوركم .. ما عندي أغلى منكم”.
هذا الولع عند بهجت بدأ منذ أغنيته الأولى (عشقت في الأندلسية) التي كتبها الشاعر المبدع مصطفى بدوي “الطرف سهام قتّل..والشعر ليالي جدّل..والقد رماخ ذبّل ..والثغر بأحلى منهل.”
ولكن الشاعر المغربي تأثر أيضاً لدى كتابته (سلامي عليكم) بأغنية الفنان السوداني سيد خليفة “ازيكم..كيف حالكم..أنا ليا زمان..ما شفتكم”، غير إن اللحن المتتابع والمتدفق لسعيد قطب، والهارموني العالي في العزف لفرقة الربيع مع قائدها أسعد خوري، ولاسيما مع ذلك الصول الجميل على آلة الأكرديون، وقبل ذلك وبعده الأداء الصوتي والتعبيري المتقن والإحساس اللافت بالكلمات عند موفق هو من أعطى (سلامي عليكم) قيمة خاصة وفريدة ولا تشبه أحداً، فشمخت بمكانتها منذ نصف قرن، كأحد الإبداعات الخالدة لشاعر الطقطوقة الأول في لبنان والمشرق شفيق المغربي..