إذا كبر ابنك “خاويه” وإن كبر أبوك عليك أن ترعاه
تشرين – دينا عبد:
تبذل الأسر قصارى جهدها لرعاية مرضاها النفسانيين خصوصاً كبار السن، وتصعّب الأمراض النفسية على الأسرة مهمة العناية بكبار السن، ما يحتم التكاتف بين أفرادها، حيث تنتاب المرضى النفسيين نوبات غضب من حين إلى آخر يصعب السيطرة عليها، وازداد في السنوات الأخيرة عدد المرضى النفسيين، نتيجة للضغوط المعيشية وتردي الأوضاع الاقتصادية.
تجارب
قالت سامية: والدي الثمانيني أصيب بأزمة نفسية حادة استوجبت نقله إلى المشفى لتتم معاينته من قبل طبيب مختص في الأمراض العصبية وصف له دواء لعلاج النوبات الحادة التي تنتابه من حين إلى آخر، والتي تحتد مع ارتفاع درجات الحرارة، ما يجعل الدواء في بعض الأحيان غير ذي جدوى.
باحثة اجتماعية: 14 % ممن بلغوا 60 عاماً يعانون اضطرابات نفسية ويتعايشون معها
وأضافت لـ “تشرين”: العائلة لم تعد تشهد استقراراً منذ مرض والدي المسن الذي يعاني أيضاً من ارتفاع ضغط الدم وهشاشة عظام وهو ما يستوجب عناية مضاعفة، ووصفت سامية المهمة بالصعبة جداً، مشيرة إلى ارتفاع تكاليف العلاج من ناحية وصعوبة تجنيد كل أفراد الأسرة مجتمعين من ناحية أخرى.
وأردفت أن بحثهم عن ممرضة تقوم بالاعتناء بوالدها والإقامة معه في المنزل، تكلل بالفشل نظراً لخصوصية وضعه، فاضطروا إلى تقاسم الأدوار فيما بينهم لتخفيف العبء على والدتهم المريضة هي الأخرى أيضاً وبالكاد تخدم نفسها.
وأشارت إلى أن نفسية والدها كلما تزداد تأزماً تزداد معاناتهم وتكثر مشاكلهم، وقد أدت محاولاته إلى الاعتماد على نفسه فسقط وأصيب بكسور شديدة، استلزمت، وفق قولها، بقاءه في المستشفى لمدة طويلة حتى يتعافى كلياً، وقد تطلب منهم ذلك جهوداً مضاعفة في رعايته والتناوب لعدم بقائه لوحده.
وهكذا يصبح كبير السن المريض نفسياً عاجزاً عن إنشاء علاقات اجتماعية أو صداقات ما يفاقم من وضعيته.
وكذلك داليا هي الأخرى تعبت في رعاية والدتها المريضة نفسياً والتي تأزمت حالتها بعد وفاة شقيقها الأصغر.
هذا وترفض داليا كل عروض الزواج المقدمة لها من أجل العناية بوالدتها فهي تعلم في قرارة نفسها أن أحداً غريباً لن يتحملها كما تفعل، فالكبير في السن يحتاج رعاية كبيرة واهتماماً وبشكل خاص حالة والدتها التي أصيبت بالزهايمر منذ فترة.
التعامل مع الصعوبات
الباحثة الاجتماعية غدران نجم وفي حديثها لـ”تشرين”، بينت أن الاهتمام بكبار السن وتقديرهم نوع من رد الجميل لهم على ما بذلوه من جهد في التربية والاهتمام بالأبناء، ووجود الوالدين من كبار السن في حياتنا نعمة عظيمة وبركة تحل على منازلنا، وليس هناك أجمل من مشاركتهم الحديث والاستماع لقصصهم الجميلة، والواجب يفرض علينا تجاههم الحفاظ عليهم وتوفير سبل العيش الكريم لهم ضمن استطاعتنا، مع التأكيد على أننا حتماً سنمر بهذه المرحلة ونحتاج للمساعدة من أبنائنا لاحقاً، فإذا كان باستطاعتنا الاعتناء بوالدينا من كبار السن مادياً ومعنوياً في هذه المرحلة فلا يوجد مبرر لتركهم أبداً، بل على العكس يجب تكريس جُلّ وقتنا لهم ولتلبية طلباتهم بكل ود فكبار السن فئة لا يمكن إنكارها في مجتمعنا المعاصر، خاصة المرحلة العمرية التي يصل إليها كبار السن تفرض تحديات من نوع خاص أيضاً، يواجهها المحيطون بهم في التعامل مع الصعوبات والمشكلات الجسدية والمعرفية والاجتماعية والنفسية التي تميز مرحلة كبار السن عن غيرها من المراحل العمرية للإنسان، حيث إننا نتحدث هنا عن أشخاص تقاعدوا من عملهم ووظائفهم وباتوا مستقلين في حياتهم أو فقدوا أصدقاءهم وأحباءهم وشركاءهم وبدأت أمراض الشيخوخة تتسلل الى أجسادهم، وبالتالي فإن التفاعل الاجتماعي لهذه الفئة بات محدوداً ومحصوراً بأشخاص ونواح معينة، وقد يواجه العديد منهم مشاعر الوحدة والعجز والحزن والإحساس بعدم الأهمية والفائدة وفقدوا الثقة بأنفسهم فلنا أن نتخيل كم يكون الوضع مزعجاً بالنسبة لهم؟.
لذلك من المهم التفكير بإسعادهم والتخفيف من مشاعرهم السلبية، التي تتركهم في حالة نفسية غير مريحة وربما غير مستقرة، ما يجعلهم أكثر عرضة للملل والاكتئاب والقلق واضطرابات الذاكرة والنوم وإصابتهم بالأمراض النفسية.
عرى العلاقة بين الوالدين من كبار السن وبين أبنائهم يمكن أن يكون في بعض الأحيان تحدياً قاسياً أو صعباً
وتضيف الباحثة الاجتماعية أن هذا ما تحدثت عنه منظمة الصحة العالمية في تقارير صحية عديدة عرضت حقائق رئيسية عن أن الشعور بالوحدة والعزلة الاجتماعية من عوامل الخطورة الرئيسية لحالات الصحة النفسية في المراحل العمرية المتقدمة، وأن نحو 14٪ من البالغين 60 عاماً أو أكثر من العمر يعانون ويتعايشون مع الاضطرابات النفسية المزمنة كالخرف والتقلبات المزاجية الشديدة مثلاً.
حيث يبرز هنا دور الدعم الأسري في مقدمة طرق علاج المشكلات النفسية عند كبار السن بالتزامن مع العلاج الطبي المتخصص المقترح وفي حقيقة الأمر مرحلة الشيخوخة مرحلة لا يمكننا فهمها بالكامل حتى نختبرها بالرغم من أننا ننظر إليها كأبناء بغموض، وينفرد الخوف منها بآبائنا المسنّين.
ولنستطيع تقديم الدعم والمساندة المناسبة لهم لابد من فهم هذه المرحلة والتعرف على صعوباتها حق المعرفة ليتم تقدير مستوى الرعاية والتدخل المطلوب بحيث نعرف كيف ومتى نقدم المساعدة أو نقوم بواجبنا إن صح التعبير ونظهر اهتمامنا لهم بمنحهم الكثير من الوقت حتى لو كنا بعيدين عنهم مع حرصنا على التواصل معهم حتى لو هاتفياً، والتحدث عن الأشياء التي يقومون بها وانتقاء كلماتنا معهم واحترام قراراتهم من دون مجادلتهم و إشعارهم بأهميتهم وبأن خبرتهم لا تقدر بثمن.
وربما من المهم في كل أسرة أن يتم الاتفاق بين أفرادها على تقسيم المهام وتوزيع المسؤولية على الأبناء بحيث ينال الآباء من كبار السن الرعاية المطلوبة من دون أن ننسى أنفسنا ورعايتها لأننا لن نستطيع القيام بالعمل الصائب وبجودة عالية وقد نال منا التعب أو تراكمت علينا المهام في ظل ضغوطات الحياة الحالية التي تشكل عائقاً حقيقياً إذا لم يتم التعامل معه بشكل مناسب..
لا شك في أن كل ابن وابنة تحب والديها وهذا أمر مفروغ منه غير أن عرى العلاقة بين الوالدين من كبار السن وأبنائهم يمكن أن تكون في بعض الأحيان تحدياً قاسياً أو صعباً لكنه يستحق منا السعي لتجاوزه واحتواء هؤلاء الذين أفنوا عمرهم من أجلنا.