فيلمٌ أميركيٌ قصير
غالباً تبدو الرواياتُ الأميركية مطرحَ شكّ حتى لو كانت بشأنِ أخبارِ الطقس، هكذا عودتنا، كما عودت العالمَ أجمع، التجاربُ القديمةُ والجديدةُ مع فيدرالية “شبه قارّة”، يصعبُ على كل من يتصدّى لتحري الحقائق فيها، التفريقُ بين ما يرشحُ عن مقصوراتِ مؤسساتِ الحكومة الفيدرالية، واستديوهات هوليود والمدن السينمائية الأقرب إلى الحالة الافتراضية المركّبة تركيباّ معقداً.
“رصاصةُ ترامب” شغلت العالم، وكانت الحادثةُ أقربَ إلى الفانتازيا، يُخالُ لكل من تابع المشهد أنه رآه مراراً، بما أن أفلام الأكشن الهوليودية حافلةٌ بمثل هذه اللقطات المثيرة.. ونجزم بأن العقل الباطن لكل المحللين وكتاب الرأي في وسائل الإعلام العالمية، يحتفظُ بقدرٍ كبيرٍ من الشكّ وهم يحاولون الإدلاء بدلائهم بجدية إزاء الحدث، وفقَ مقتضياتِ تقاليد العمل الإعلامي، فالحقائقُ تكون في مكان آخر أحياناً، وكأن ثمة توافقاتٍ على إرجاء الإفصاح أو غضّ النظر كلياً عنها، لتبقى حبيسةَ عقول العقلاء..
ولا ندري ما هي دوافع الإعلام العالمي عموماً – إلا السطوة الأميركية – للتعاطي بكل هذا الصخب مع مسرحية الانتخابات ورصد السباق المفبرك إلى البيت الأبيض، على الرغم من القناعات الراسخة بأن النموذج الأميركي لتداول السلطة ينطوي على أكثر التجليات الكئيبة للديمقراطية المزعومة في العالم، ويعلم معظمنا ماذا يعني المجمّع الانتخابي، وكيف تُدار العملية هناك تاريخياً، وكيف يتمُّ تحويلُ الأنظارِ قسراً عن مكاتب التأثير العميقةِ في القرار الحاسم والمسبقِ بخصوص شخص الرئيس، أما انتماؤه الحزبي -جمهوري أو ديمقراطي- فهذه حيثية تأتي لاحقاً.
في هذا التوقيت الحرج يبدو أن ثمة ضرورات لإخراج السباق الانتخابي بالشكل الدامي الذي ظهر عليه مؤخراً، والزجّ باتهاماتٍ وجدلٍ وأخذٍ وردّ، لأن ثمة انعطافة لابدّ منها للخروج من المآزق التي ألمّت بالسياسة الأميركية، وهذا يعني أننا سنشهد تنصلاً من التزاماتٍ وعهودٍ أو حتى اتفاقيات وتفاهمات جرت في حقبة بايدن، وهذا لن يكون مقنعاً إن لم يحصل ما يحصل اليوم من “كباش انتخابي” بكل معنى الكلمة، يبرر حالة “التشفّي المفتعل” والتحول حيث مقتضيات المصلحة الأميركية وليس غيرها.
ندعي ذلك ونحن نتوقع عودة ترامب بكل ما تنطوي عليه هذه الشخصية الإشكالية من غرابةٍ في أطوارها، والمؤشرات بدأت منذ تمرد حاكم ولاية تكساس وتلويحه بالانفصال منذ حوالي العام، ويبدو أن ذلك كان الفصلَ الأول من المسرحية التي “تُعرض” حالياً.
على كل حال ليس الرئيسُ من يحسمُ ويقرر في الشؤون الخارجية الحساسة، وترتيبه في منظومة القرار يأتي متأخراً لا متقدماً، وإن كان هو من يعلن القرارات ويستعرض ويُعلي الصوت.
نحن أمام تطوراتٍ جديدةٍ قادمةٍ قد تكون لافتةً، فللصراعِ في أوكرانيا حصةٌ من هذه التحولات التي ألمح إليها ترامب في حملته، لكن الترقبَ حالياً يتركز على المسألة المعقدة في غزة، فهل سيُنزل ترامب نتنياهو عن الشجرة.. أم سيصعدُ إليها..؟
وماذا عن الشأن السوري والاحتلال الأميركي الجاثم في الشمال..؟
وهل سيلتزمُ الجمهوري الموعود بسياسات حزبه المتخصصِ بجمع الأموال وإعادة ترميم الخزينة الفيدرالية؟
فصلٌ جديدٌ من فيلم أميركي طويل، على العالم أن يتابعه ويعيش انفعالاته كلّها، والجميعُ يعلم بأن التكنيك سيبقى ذاته وإن اختلف التكتيك..