ملامح من موسم الدراما السورية (2024)

تشرين- علي الراعي:

(١)

يسجل لكلٍّ من السيناريست: علي وجيه ويامن حجلي، نزولهما عميقاً لقاع المجتمع، وكشف تفاصيل مهن غير معروفة للكثيرين.. بدأ ذلك من تسليطهما ضوءاً قويّاً لعمل “النباشين” في القمامة، والتي تصل في بعض مراحل عملهم لما يُشبه عمل العصابات والمافيات ولاسيما من خلال طريقة إدارتها، كان ذلك في أحد مواسم الدراما السابقة في مسلسل (على صفيحٍ ساخن)، وجديدهما في موسم دراما (2024) كشفهما عالم الدباغة والدباغين، الذي قرأنا عنه فيما مضى عشرات التحقيقات الصحفية.. والحقيقة التي يُمكن الإشارة إليها، إن الكثير من الأعمال الدرامية نهجت منهج التحقيقات الصحفية الاستقصائية، ليس في هذا الموسم وحسب، بل منذ أن شكلت “العشوائيات” غواية للدراما السورية منذ ما يزيد على العقد والنصف من السنين، وهو ما وضع الدراما على سكة مختلفة في تناول قضايا المجتمع بعيداً عن مجتمعات الفلل وسيارات الدفع الرباعي.. وهذا الاتجاه الريبورتاجي للدراما يُسجّل لها، ولاسيما أننا كصحفيين كثيراً ما ننظر بعين “الغبطة” حتى لا نقول الحسد للسقف العالي الذي منحته الرقابة للدراما، والذي كثيراً ما كان “واطِئاً” على الصحفيين..

(٢)

ثمة ملمح آخر في دراما هذا الموسم، وهو تصوير الشخص العصابي، أو المُصاب بحالة عصبية ما، وربما بصدمة ما.. تكررت بملامح خمس شخصيّات في ثلاثة مسلسلات على الأقل: والتي كانت شخصية (بديعة/إمارات رزق) في دورها الصامت طول حلقات المسلسل – حتى الآن – والذي أخذ اسم الشخصية التي تُجسدّها – بديعة، أقول الصامت مجازاً ذلك إنّ صوت صمتها كان الأعلى من أي حوار سواء في مشهد الولادة بتوأمها (ياسين وشاهين)/يامن حجلي، وسامر إسماعيل، أو حتى في لهفتها لولديها وهي تمسك يد (أبو مختار/فادي صبيح) عندما أراد معاقبتهما لأذيتهما ولده مختار..

ثم هناك تيم حسن في شحصية تاج – الذي أخذ المسلسل اسمه (تاج) عنواناً.. تلك الملامح التي تظهر في العيون، والمشي، وبالذهول وحركة اليدين.. ومحمود نصر في شخصية مختار – مسلسل (ولاد بديعة)، والتي تظهر هي الأخرى في العيون وحركة اليد عند الأذن كلازمة مرضية.. وكذلك يامن الحجلي في شخصية ياسين – مسلسل (ولاد بديعة) والذي تسيطر عليه حالة نزق مستمرة ودائمة، وهو “كاركتر” كرره الحجلي في غير مسلسل.. وأخيراً وليس آخراً عابد فهد في شخصية فارس – مسلسل (نقطة انتهى) والتي تظهر في الشرود الطويل والانفصال عما حوله..

(٣)

ليس الفنان بسّام كوسا أول من وقع في تماثل “تجربة الأداء” للفنان العالمي “مارلون براندو” الذي شكّل ثنائيّاً مع “آل بتشينو” في فيلم “العرّاب” ذي الصيت العالمي، ويُمكننا القول إنه وبكلِّ ثقة؛ الدراما ما قبل (العرّاب) هي غيرها ما بعده، ذلك أنّ تأثيره كان في مختلف دراما العالم، ومناسبة ذكر “العرّاب” والممثل (مارلون براندو) تأثر العديد من الممثلين في العالم بأدائه، ومنهم فناننا الكبير بالتأكيد بسّام كوسا لاسيما في مسلسل (الفصول الأربعة)، و(ضبّو الشناتي).. غير إن أداء بعض الممثلين المحليين كان له التأثير الكبير في بعض الفنانين أيضاً: نذكر في هذا المجال بعضاً من أداء الممثل اللبناني جورج خبّاز متأثراً بتجربة الفنان دريد لحام، أو بعضاً مما قدمه باسل خيّاط مُتأثراً بالفنان الراحل خالد تاجا.. والجديد في هذا الموسم؛ ما يُقدمه الفنان رامز أسود في مسلسل (ولاد بديعة)، الذي يُجسّد شخصية (وفا) ابن أبو الوفا- تيسير إدريس، الذي يكون صديق\أبو مختار والد ولدي بديعة.. اللافت أن رامز أسود بشخصية (وفا) يستحضر شخصية (أبو عنتر) التي عرف بها الفنان الراحل ناجي جبر، والتي شكلت لديه “كاريتراً” ونمطاً تمثيلياً.. تقمص رامز أسود شخصية “أبو عنتر” بأداء (وفا) يكاد يكون كاملاً رغم اختلاف الفضاءات ومناخات كل من الشخصيتين الدرامية بين (أبو عنتر ووفا) في (ولاد بديعة).

(٤)

وفي عودة لزمن بعيد من تاريخ الدراما العربية، إلى زمن الأبيض والأسود لاسيما في السينما؛ حينما كانت تتم الاستعانة بالمطربين وغالباً الرجال ليكونوا “أبطالاً” في تلك الأفلام، ربما لندرة الممثلين حينها ولأسباب أخرى كثيرة.. يبدو أنّ الحنين لإشراك المطربين والمغنين بقيت غواية لدى الكثير من المنتجين وربما من المخرجين، لكن على ما يبدو “الاستعانة” هذه المرة تبدو أقرب لحالة زخرفية تزيينية ربما تُساعد في ترويج العمل وتسويقه، أكثر من أي أمر آخر، وربما كثير منهم أجادَ التمثيل كما أجادَ الغناء، وهي فرصة أيضاً لبعض المطربين والمطربات لاكتشاف فضاءات إبداعية مختلفة في شخصياتهم غير موهبة الغناء، وربما تُفيد عندما يفعل الزمن فعله من حت وتعرية في الصوت.. حيث نشاهد في هذا الموسم مطربتين سوريتين في مسلسل (تاج)، وهما نورا رحّال، وكانت قد فعلتها أكثر من مرة إن لم تخني الذاكرة، والفنانة المطربة فايا يونان في أول أدوارها التمثيلية..

وهنا نُشير إنه في موسم السنة الماضية، كان لافتاً الاهتمام بالشارات الموسيقية حتى إن بعض أغاني الشارات انتعشت في أكثر من موسم دراما.. ومازلنا نذكر كيف شكلت (مواويل) العتابا للمطرب برهوم رزق بصوت مها الحموي حالة خاصة في مسلسل (عاصي الزند).. شارات هذا الموسم الموسيقية تبدو غير ملفتة ولا بأي مسلسل من عشرات الأعمال..

وباعتبار مازلنا في الجزء الأول من أعمال هذا الموسم الدرامية، فيتبع بالتأكيد…

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار