تصعيد إسرائيلي «شمالاً» يُعيد المنطقة إلى دائرة المخاوف الأخطر.. تحذيرات لأميركا وكيانها من خطورة اللعب خارج مسارات الضبط والاحتواء لتطورات ميدان غزة إقليمياً
تشرين- مها سلطان:
لا تكاد التحذيرات من التصعيد الإقليمي تنحسر قليلاً حتى تعود بصورة أخطر مع تعمّد الكيان الإسرائيلي بين مرحلة وأخرى تغيير قواعد الاشتباك، خصوصاً على جبهة الشمال «لبنان» وذلك عبر الإقدام على مزيد من الاستفزازات على الأرض، موسّعاً دائرة الاستهداف، وبشكل تنتقل معه عملية «الاشتباك الحدودي أو القصف المتبادل عبر الحدود» إلى العمق، ما يؤدي عملياً إلى خلخلة ما بات متفقاً عليه، أي خلخلة عملية الضبط المحسوب بدقة، ومن جميع الأطراف تقريباً، لمسار تطورات الحرب على جبهة غزة كي لا تتحول إلى إقليمية، وهذا ما كان طوال الأشهر الخمسة الماضية، علماً أن أغلب التحذيرات تتركز على جبهة الشمال/لبنان، على اعتبار البداية ستكون منها، خصوصاً مع استمرار الكيان في إطلاق التهديدات بالحرب ضد لبنان.. وضمن هذا السياق جاءت الغارات الجوية التي نفذها الطيران الإسرائيلي مساء أمس الإثنين على مناطق بالقرب من مدينة بعلبك شرق لبنان، ما أدى إلى استشهاد لبناني واحد (وهو الاستهداف الإسرائيلي الثاني لبعلبك منذ بدء الحرب على غزة عقب عملية طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول الماضي، وكان الاستهداف الأول في 26 شباط الماضي).
الغارات الإسرائيلية الجديدة ردت عليها المقاومة اللبنانية /حزب الله/ بعشرات الصواريخ صباح اليوم الثلاثاء، تأكيداً منها أن أي عدوان إسرائيلي لن يكون من دون رد، وبالقوة اللازمة والمتناسبة، بينما يرى فريق واسع من المراقبين أن هذا التطور له ما بعده، وقد تشهد الأيام المقبلة مزيداً من التصعيد الذي ينذر بالأخطر إقليمياً إذا لم تتم إعادة عملية الضبط إلى ما هي عليه من دقة في الحسابات، واحتواء لكل تطور من شأنه أن يقود إلى ما لا يحمد عقباه إقليمياً.
الكيان يُبيّت النيات لتغيير قواعد الاشتباك على جبهة الشمال عبر توسيع دائرة الاستهداف من «الحدود» إلى العمق وبما يؤدي إلى خلخلة عملية الضبط والتوازنات المحسوبة بدقة منعاً للتصعيد الإقليمي
ولا يتوقف الكيان الإسرائيلي عن تهديد لبنان، وأنه لن يكون ضمن أي هدنة يتم التوصل إليها على جبهة غزة، معتبراً أن لبنان له وضع مختلف لا يمكن تسويته إلا عسكرياً.
جديد الميناء الأميركي
يأتي هذا التصعيد الإسرائيلي ضد لبنان ضمن مرحلة جديدة من العدوان على غزة عنوانها «الميناء الأميركي» الذي يجري العمل على تنفيذه قبالة شواطئ قطاع غزة بأهداف ظاهرها إنساني، في حين باطنها لا يخلو من نيات خبيثة تصب في خدمة الكيان الإسرائيلي، وبعدما كانت أغلب المخاوف والتحذيرات من هذا الميناء تتركز على ما يتم تبييته للفلسطينيين، خصوصاً أهل غزة، باتت أطراف إقليمية تتحدث عن مخاطره عليها وأنه يشكل استهدافاً لها ضمن النيات المبيّتة لهذا الميناء الذي تتكشف تباعاً أهدافه الحقيقية.
العدوان على غزة في يومه الـ158 مستمر من دون أفق.. لا هدنة قريبة ولا اتفاق لتبادل الرهائن.. وتقييم أميركي متشائم ضد نتنياهو وحكومته
الجانب المصري لا ينظر بصورة إيجابية إلى هذا الميناء، ويبدو من البدهي أن يكون هناك حديث مصري عن أن هذا المشروع الأميركي/الإسرائيلي يستهدف دور مصر وقدرتها على التأثير في قضية هي في صلب أمنها القومي وذلك عبر تحييد معبر رفح مقابل استغلال الميناء لتغيير المعادلات الأمنية على الأرض، بمعنى العمل على إيجاد «وضع أمني جديد لا تكون مصر جزءاً منه».. وهذا سيقود بدوره إلى تشديد الحصار على قطاع غزة على اعتبار أن الطرفين الرئيسيين في مسألة المساعدات ونقلها ومراقبتها، هما أميركا وكيانها، إلى جانب دور أوروبي رمزي، كما سيقود أيضاً إلى تمكين إسرائيل من إطالة عدوانها إلى الوقت الذي تريده، وحتى توسيعه جغرافياً في المرحلة المقبلة.
ورغم أن الانتهاء عملياً من الميناء قد يستغرق شهرين، إلا أن عدة سفن تتجهز للانطلاق من قبرص باتجاه القطاع، هذا عدا أنه لم يُعرف بعد إلى أي متى هذا الميناء مؤقت، بمعنى هل إن عمله مرتبط باستمرار العدوان على غزة، أم إنه سيتحول إلى حالة دائمة في إطار ما يسمى ترتيبات «اليوم التالي».. وإذا ما تحول إلى ميناء دائم فهل إن عمله محصور فقط بتقديم المساعدات، أم إن الهدف يتجاوز غزة إلى الإقليم في إطار الصراع على مراكز وطرق التجارة والطاقة التي يشكل الإقليم و(غزة) ميدانها الرئيسي في سياق عالم جديد يتشكل قوامه الاقتصاد والطاقة.
لا هدنة.. لا رهائن
ولأن العدوان على غزة مستمر من دون أفق لهدنة قريبة، والذي دخل يومه الـ158 اليوم الثلاثاء الذي هو أيضاً اليوم الثاني لشهر رمضان الذي يمر على أهل غزة وسط اشتداد وطأة الحصار والجوع على وقع العمليات الإسرائيلية المتواصلة والتحضيرات الإسرائيلية للهجوم على رفح.. وفي ظل كل ما يُقال عن تأزم الموقف بين إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ومتزعم حكومة الكيان بنيامين نتنياهو، باتجاه تحييد هذا الأخير لمصلحة أحد أعضاء حكومته.. في ظل كل ذلك تبقى كل المسارات مفتوحة على كل الاحتمالات، بينما لم تأخذ التصريحات الجديدة لنتنياهو حيزاً من الاهتمام رغم أنه حدد فيها المدة المحتملة لاستمرار العدوان على غزة، ويُفترض أنه أمر مهم، إلا إذا اعتبرنا أنه سبق لنتنياهو أن أطلق مثل هذه التصريحات، ثم استمر العدوان، وبالتالي فإن قرار الحرب واستمرارها لا يرتبط به بصورة كلية بقدر ما يرتبط «بتحقيق أهداف العدوان» التي لا يبدو أنها ستتحقق
نتنياهو، وفي مقابلة مع صحيفة «بوليتيكو» الأميركية، قال: إن العمليات العسكرية في قطاع غزة قد تنتهي خلال شهر أو شهرين، زاعماً أنه تم تدمير ثلاثة أرباع القوة القتالية للمقاومة الفلسطينية وأن الكيان «بات قريباً من نهاية الجزء الأخير من القتال».
طبعاً هذه التصريحات لا تتناسب مع التصعيد الإسرائيلي الجديد ضد لبنان، إلا إذا كان نتنياهو يتحدث عن نهاية عدوان وبداية آخر أوسع ضد لبنان.. كذلك لا تتناسب مع الفشل المتواصل في التوصل إلى هدنة، ما يعني الفشل في استرداد الرهائن الذي هو أحد أهداف العدوان على غزة، كما يقول متزعمو الكيان.
أطراف إقليمية تتحدث عن الأهداف الأبعد لميناء غزة «الأميركي».. وعن محاولات تحييد مصر كدور وتأثير وتمكين الكيان من مواصلة عدوانه للوقت الذي يريده وحتى توسيعه جغرافياً
وكان مجلس الحرب الإسرائيلي قرر عدم توسيع صلاحيات الوفد المفاوض في إطار محادثات القاهرة، معتبراً أنه لا بد من الانتظار عدة أيام « فقد يصل رد جديد من حماس بشأن صفقة التبادل» و«ربما تكون هناك هدنة خلال شهر رمضان».
تقييم أميركي متشائم
أيضاً، لا تتناسب تصريحات نتنياهو مع التقييم المتشائم الذي صدر أمس عن وكالات الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأميركي، والذي أكد قدرة المقاومة الفلسطينية على الصمود لسنوات، محذراً من خطر التصعيد الإقليمي مع استمرار الحرب على غزة.
وحسب التقييم السنوي الذي تقدمه هذه الاستخبارات فإن الكيان سيكون مضطراً «لمواصلة القتال لسنوات مقبلة»، مشيراً إلى انعدام الثقة بنتنياهو وائتلافه «الذي بات في دائرة الخطر» وسيكون نتنياهو عُرضة «لانفجار الاحتجاجات» المطالبة برحيله. وحسب المراقبين فإن هذا ليس تحذيراً لنتنياهو بقدر ما هو ضوء أخضر لإطلاق احتجاجات ضد نتنياهو بمداها الأوسع وبما يُجبره على الرحيل.
وكان وليم بيرنز مدير الاستخبارات الأميركية «سي آي إيه» قد جدد تشاؤمه بشأن التوصل إلى اتفاق بشأن الرهائن، معتبراً أنه رغم استمرار العمل في هذا الإطار «إلا أن أحداً لا يمكنه ضمان أن هذا العمل سينجح» في نهاية المطاف.