مدير دار الأسد للثقافة والفنون– أوبرا دمشق المايسترو أندريه معلولي: الأعمال التي نقدمها لها معايير وأسس لا يمكن تجاوزها
تشرين- إدريس مراد:
تناوبت على إدارة دار الأسد للثقافة والفنون- أوبرا دمشق منذ افتتاحها رسمياً في بداية أيار 2004 العديد من الشخصيات، ودائماً كانت الحاضنة الأساسية للموسيقيين والفنانين السوريين، كما استقطبت العديد من الشخصيات العالمية لتمثل الوجه الحضاري لسورية كما قدمت عروضاً مذهلة سجلت في الذاكرة، ووقف على خشباتها السيدة فيروز وزياد الرحباني وموسيقيون مرموقون من أنحاء العالم، وهنا لا يقيّم المدير العام لدار الأسد للثقافة والفنون المايسترو أندريه معلولي أعمال ممن سبقوه من المديرين لكيلا يظلم أحداً حسب قوله، لأنه يرى أن لكل فترة مرّت على الدار كانت لها ظروفها ومعطياتها، ويتابع في حديثه مع “تشرين”: «لاشك عندما استلمت إدارة الدار كنا قد بدأنا نتعافى من الحرب الإرهابية الكونية على وطننا، هذه الحرب التي أثرّت في كل مفاصل الحياة.. ودار الأوبرا كان لها نصيب أيضاً من هذه التأثيرات، وهي أحد الصروح التي تضررت وكان لابدّ لكل منا أن يتعامل مع هذا المكان ضمن الظروف المتاحة، حتى تتحسن الظروف، وتتحسن معها الإمكانات وتالياً يتحسن الأداء.. اختصاراً، عندما نقيّم عمل أحدهم، ينبغي أن نأخذ الظروف والأوضاع التي أحاطت المكان بعين الاعتبار».
مهمتنا اليوم هي تقديم كل الأنماط والأشكال والمدارس الموسيقية العالمية لخلق جمهور مُطلع على كل الثقافات
خطوط حمراء
جاء “معلولي” ومعه أفكاره وأسلوبه ليقود هذا الصرح الحضاري، وليحاول وضع سكة جديدة ليسيّر عليها البرامج والفعاليات بعد سنين من الحصار وسنين من الحرب والقذائف التي انهالت يومياً على دمشق، ورغم ذلك لم تستطع قوى الظلام إغلاق أبواب الدار، بل عاندت الحرب ذاتها، وقدمت شهداء سالت دماؤهم الذكية في حرمها، يقول: «بالنسبة لي، أتيت ومعي خطوط حمراء لكبح ما هو غير لائق لقدسية المكان، ووضعت هدفاً أمامي لأضع المكان على الطريق الصحيح، جئت ولدي هاجس بأن تصبح دار الأوبرا في سورية موجودة على خريطة دور الأوبرا العالمية، من خلال استضافة الشخصيات الموسيقية المهمة، ونشر رسائل موسيقية من سورية إلى العالم، وهذه الأشياء يراد لها أسس ومعايير لضبط المواد التي تقدّم على مسارحها، لأني أرى ما يقدم في دار الأسد للثقافة والفنون، لا يمكن تقديمه في مكانٍ آخر، وهذا ما يميزها عن المسارح الأخرى، وهذا معيار عالمي..
الجمهور صناعة، مثله مثل صناعة أي نتاج إبداعي تماماً ويُصنع الجمهور بحسب ما يقدم له
ودور الأوبرا في العالم هو المكان الذي يطمح الكثير دخوله وتقديم إبداعاتهم، وتالياً ينبغي أن يكون الاختيار دقيقاً وصحيحاً، وحاولت بقدر المستطاع إيجاد آلية لتحقيق هذه الشروط وذلك من خلال تشكيل لجنة من الموسيقيين المخضرمين في سورية الذين أصبحت على عاتقهم دراسة المشاريع الموسيقية وإقرارها، أو تصحيحها».
وأضاف: «هذه المسألة لأجل حماية هذا المكان ووضعه على خريطة الأوبرات العالمية، فعندما نقدّم ما هو مميز ونوعي، نستطيع أن نجذب الموسيقيين من العالم ليقدموا نتاجهم الفكري في الدار لأنه يضيف لمسيرتهم الفنية، وهذا ما لاحظناه خلال السنوات الأخيرة حيث التواصل مع الموسيقيين المرموقين في العالم».
أتيت ومعي خطوط حمراء لكبح ما هو غير لائق لقدسية المكان ولدي هاجس بأن تصبح دار الأوبرا في سورية موجودة على خريطة دُور الأوبرا العالمية
رؤية الحقيقة
يجد المايسترو معلولي في هذا التواصل هدفاً آخر، عندما يقول: «لهذه العلاقات مع الشخصيات العالمية أهمية كبيرة، فهم يتحولون عملياً إلى مرآة حقيقية لنقل الواقع السوري والحضارة السورية إلى بلدانهم.. وحصل ذلك عندما استضفنا العديد من الموسيقيين وبعد زياراتهم لنا ومشاركاتهم في فعاليات الدار، فقد عادوا وتحدثوا في إعلامهم عما وجدوه عندنا، فكانوا بمثابة سفراء لنا، وهذا أيضاً هدف من أهداف دور الأوبرا الذي يكمن في التواصل مع العالم لتبادل الخبرات والتعرّف إلى الثقافات المختلفة».
صناعة الجمهور
يمكن لدور الأوبرا أن تلعب العديد من الأدوار في المجتمع وخلق جيل يتعامل مع الموسيقا الجادة والثقافة الحقيقية، وفي هذا السياق يتابع معلولي قائلاً: «مهمتنا اليوم، تقديم كل الأنماط والأشكال والمدارس الموسيقية العالمية لخلق جمهور مُطلع على كل الثقافات لأن الجمهور صناعة، مثله مثل صناعة أي نتاج إبداعي تماماً، ويُصنع الجمهور بحسب ما يقدم له.
ومن هنا أطلقنا عدة برامج في دار الأوبرا منها ما تعنى بالأطفال، فحواها جذب الأطفال إلى دار الأوبرا من خلال استقبال مجموعات منهم، ليس للتعرف إلى المكان كمبنى فحسب، بل للتعريف بكيفية التعامل مع المكان، لأن كل طفل هو مشروع عائلة في المستقبل ومن ثم إذا اشتغلنا على الأطفال سوف نحصل لاحقاً على مجتمع أكثر ثقافة وأكثر نضوجاً وأكثر احترافية بالتعامل مع الأمور الثقافية، التي هي ليست أموراً ثانوية، بل هي أساسية لأن الثقافة هي أداة للتواصل مع الآخر، وجسر تعبر عليه كل المسائل السياسية والاقتصادية والاجتماعية».
قمنا بتأسيس قناة على اليوتيوب خاصة بفعاليات الدار ليتسنى للآخرين التعرف إلينا بشكلٍ وصحيح ومن دون تشويه كالذي يفتعله الإعلام الخارجي
ويردف قائلاً: «لابدّ أن ننشر ثقافتنا بالصورة التي تليق بها وبوطننا سورية.. سورية التي تملك أقدم حضارة، ولذلك قمنا بتأسيس قناة على اليوتيوب خاصة بفعاليات دار الأسد للثقافة والفنون ليتسنى للآخرين أن يتعرفوا علينا بشكلٍ دقيق وصحيح من دون تشويه كالذي يفتعله الإعلام الخارجي، كما نبث أغلب نشاطاتنا على صفحة الدار بتصوير وإخراج احترافي، وأصبح لدينا مئات المتابعين، ولاسيما السوريين في المهجر، فهذه الحالة ترسخ ارتباطهم بالوطن وثقافته أكثر، والكثير منهم عندما عادوا إلى البلاد أصبحوا متابعين لأنشطة الدار».
الإصرار على الاستمرارية
وعن مواسم سنة ٢٠٢٣ التي عشنا ساعاتها الأخيرة منذ أقل من يومين يقول: « لا شك في أن سنة 2023 كانت سنة صعبة، بكل ظروفها وبكل أحداثها: الكورونا و الزلزال، والعمليات الإجرامية التي حدثت في الكلية الحربية بحمص والحرب التي مازالت تدور رحاها والتي يشنها العدو الإسرائيلي على فلسطين، هذه الأمور كان لها وقع مؤلم وحزين.. وفي النهاية إصرارنا على استمرار العمل هو جزء من صمودنا كشعب وبلد ووطن، وجزء من رسالتنا للعالم بأننا قادرون على الاستمرار وعلى الإبداع رغم الألم، وأننا نستطيع خلق الإبداع من رحم الألم، هذا ما قمنا به في الفترة الأخيرة بصياغة عدة أعمال موسيقية تجسد حالات من واقعنا الحالي من خلال النغمة واللحن والكلمة، هكذا يجب أن ندرك كيفية استثمار هذا المكان وإدراج أعمال تتعلق بالوطن والإنسان والمجتمع ضمن برامجه».
سنة 2023 كانت سنة صعبة بكل أحداثها: الكورونا و الزلزال، والعمليات الإجرامية التي حدثت في الكلية الحربية بحمص والحرب التي يشنها العدو الإسرائيلي على فلسطين
العمل الجماعي
يصر “معلولي” على العمل الجماعي من خلال الاعتماد على الكوادر الموجودة في الدار أيضاً، حيث يقول: «نحن في دار الأسد للثقافة والفنون نعمل عائلة واحدة، عملنا جماعي، نكمّل بعضنا بعضاً ونحن تواقون دائماً إلى الأفضل، جميع العاملين في دار الأسد للثقافة يعملون بكلّ حبٍّ وإخلاص، رغم كل الظروف الصعبة التي يعيشها كل الناس، فمازال العامل في الدار مؤمناً بهذا المكان وبرسالته، لا ينظر شذراً على الدوام الرسمي ولا إلى راتبه الشهري، نعمل من الصباح حتى المساء بكل محبة وإخلاص، وكل تطور تشهده الدار هو جهد مشترك من الجميع، فكل الشكر لكل موظف وعامل لأنهم أساس النجاح، وأيضاً كل الشكر للجمهور الذي واظب على الحضور بكل الفعاليات رغم الظروف المعيشية الصعبة، وهو أحد أهم أسباب الاستمرار، وأيضاً الشكر للموسيقيين والفنانين من التشكيليين والمسرحيين الذين يعملون مع هذا الصرح ويقدمون كل إمكاناتهم لخدمة هذا المكان، ولوزارة الثقافة التي تدعم بكل ما نحتاجه، وأيضاً الدولة والقيادة التي تولي الاهتمام الكبير لهذا المكان، ومن الضروري أن نشعر بهذا الدعم، لنكون جاهزين وأقوياء، ولدينا دافع للعمل بشكل أفضل وأعمق».
في دار الأسد للثقافة والفنون نعمل عائلة واحدة ونحن تواقون دائماً إلى الأفضل
مسيرة حافلة
يشار إلى أن أندريه معلولي موسيقي سوري، درس الموسيقا في المعهد العالي للموسيقا في دمشق وفي كونسرفاتوار أورليان في فرنسا، كما عمل مع أوركسترا مدينة أورليان بقيادة المايسترو جان مارك كوشرو.
ومع أوركسترا شباب البحر الأبيض المتوسط لسنتين متتاليتين في فرنسا، وفي أوركسترا معاهد دول البحر الأبيض المتوسط في مدينة مارسيليا في فرنسا، وعمل أستاذاً لمادة الموسيقا في المدرسة الوطنية السورية الخاصة لمدة سبع سنوات، وهو عضو الهيئة التدريسية في المعهد العالي للموسيقا، وشغل مناصب عديدة، منها مدير مديرية المعاهد الموسيقية والباليه بوزارة الثقافة السورية من عام 2012 وحتى 2014، وعميد المعهد العالي للموسيقا من عام 2014 وحتى 2019.. كما خاض تجربة التأليف والتوزيع الموسيقي، ومن أعماله: موسيقا مسلسل سيد العشاق (قصة حب عربية) وأيضاً الفيلم التلفزيوني للأطفال (أزهار الصداقة)، وشارك في العديد من المهرجانات العربية والأجنبية في (لبنان، الأردن، مصر، أرمينيا، إسبانيا، أمريكا وغيرها)
وهو مؤسس وقائد أوركسترا أورفيوس للموسيقا، ويشغل حالياً ومنذ عام 2019 منصب مدير عام دار الأسد للثقافة والفنون – أوبرا دمشق.