وللجيرة ذكريات
تشرين- د. رحيم هادي الشمخي:
صور عديدة للفخر مازالت راسخة في الأذهان، من عاش الحقب الماضية حيث كانت حقوق الجوار مقدّسة ومكفولة لا يجوز التعدّي عليها بغضّ النظر عن لون الجار وجنسيته ودينه، ووصل اهتمام معظم العوائل بجيرانهم أن يحسبوا حساب المتعففين منهم والجائعين، إذا أوقدوا ناراً، يحرصون على ألّا يؤذوهم برائحة القدور إلّا أن يشاركوهم ببعض ما فيها من الطعام، والوقوف إلى جانبهم في أفراحهم وأتراحهم، واستمرت تلك العادات والتقاليد الموروثة برغم توغل قوى الظلام بفنون حركاتها المنفلتة والتي دخلت البلاد عبر المنافذ الحدودية، وأخذت الوسائل الوافدة والمشبوهة تتصاعد وتتفاعل وتمتد مع حملات التهجير المتعمدة، وتثير النعرات الطائفية والعنصرية المقيتة في وقت لا يسأل فيه الجار جاره عن مذهبة أو قوميته وميوله.
إنّ العلاقات الاجتماعية التي تربط بين أبناء الشعب الواحد لأكبر دليل على متانة الصلة بين بيوت المحلة المتجاورة، ويقول المثل العربي «عليك بسابع جار»، فلقد روي عن لسان النبي العربي محمد (صلى الله عليه وسلم) أن الله سبحانه وتعالى قد أوصى باحترام الجار ورعايته حتى لو كان كافراً، وهناك روايات وأحاديث عديدة مازالت راسخة في أذهان الناس تؤكد الحرص على حرمة الجوار ورعاية الجار واحترامه.
ورغم ظهور وسائل الاتصالات الإلكترونية المشبوهة والمعدّة خصيصاً لمحو تلك التقاليد والعادات الحميدة والنبيلة التي كان يتميز بها العرب، إلّا أن حق الجوار مازال مكفولاً في المجتمعات العربية إلى يومنا الحاضر، فالعائلة العربية ارتبطت بحق الجار، وأصبح هذا الجار أكثر ارتباطاً من أفراد النسب الذي يجمع هذه العائلة.
كاتب وأكاديمي عراقي