خبير اقتصادي.. التشاركية ضرورة بعد الدمار المادي بالبنى التحتية والمرافق

تشرين – ماجد مخيبر:
ظهر مفهوم التشاركية في العالم خلال الأربعين سنة الماضية، بعد سقوط الاتحاد السوفييتي وانطلاق الليبرالية الجديدة التي دعت إلى تعزيز دور القطاع الخاص في القطاعات الاقتصادية كالصناعة والزراعة والسياحة وغيرها، ثم توسع هذا المفهوم فيما بعد ليشمل مشاريع البنى التحتية الارتكازية والمرافق العامة، وتحقيق هدفين رئيسيين الأول الاستفادة من خبرات القطاع الخاص وقدراته الإدارية والفنية والمالية والثاني تخفيف الأعباء الإدارية والمالية على الدولة، وتقليص اضطرارها اللجوء إلى الضرائب والمديونية، وزيادة فرصتها وقدرتها على الإنفاق على المتطلبات الاجتماعية.
الدكتور والخبير الاقتصادي نبيل سكر وخلال محاضرته (التشاركية هل هي ضرورة أم خيار؟) في المركز الثقافي في “أبو رمانة”، وبدعوة من جمعية أصدقاء دمشق، بين أن قانون التشاركية رقم 5 لعام 2016 جاء ليشمل مشاريع القطاع العام الإنتاجي والقطاعات الاقتصادية المختلفة، إضافة إلى مشاريع البنى التحتية والمرافق العامة، واعتمد شروطاً معقدة لتشمل كافة المشاريع الإنتاجية والارتكازية دون التمييز بينها وكانت هذه الشروط أهم أسباب عدم تقدم القطاع الخاص لإقامة مشروع حتى الآن في ظل القانون.

سكر: الشروط المعقدة تعيق إقامة المشاريع والمطلوب إحياء قوانين التمويل طويل الأجل

مؤسسات الدولة المختلفة عرضت مشاريع عديدة للتشاركية في قطاعات الصناعة والسياحة والنقل وغيرها، كان معظمها مشاريع خاسرة، وكأن قانون التشاركية جاء لإنقاذ مشاريع الدولة الخاسرة أو المتعثرة، بينما كان على الدولة البحث عن حلول أخرى لمعالجة قطاعها العام الاقتصادي المتعثر أو المعثر، والذي يستنزف الكثير من المال العام .
ومن الجدير ذكره -بحسب سكر- أنه كان قد أعدت مسودة للقانون في العام 2014، حصرت التشاركية بمشاريع البنى التحتية والمرافق العامة، متسائلاً ما الذي حصل؟ ليشوه القانون بحلته الأخيرة، كما هو جدير بالذكر أن بعض أصحاب القرار عرف التشاركية بعد صدور القانون بأنها الجيل الثالث من أجيال الاقتصاد السوري بعدما كان الجيل الأول هو جيل القطاع العام، والثاني هو جيل اقتصاد السوق الاجتماعي، والجيل الثالث هو جيل التشاركية وكأن التشاركية هي هوية، وهذا يدعو إلى القلق لعدم وضوح مفهوم التشاركية الحقيقي خارج المفهوم الشعبوي الذي يذكره المسؤولون وبعض الإعلاميين.

مخاطرها تظهر خلال التنفيذ
ووفقاً لما ذكره الباحث والخبير الاقتصادي نبيل سكر هناك مخاطر عديدة في مشاريع التشاركية وهي تظهر خلال تنفيذ المشروع وتشغيله نظراً لضخامة هذه المشاريع وتعقيداتها وطول أمدها، فالنسبة للجهة العامة هناك مخاطر سوء الإنشاء أثناء التنفيذ، ومخاطر تدني جودة الخدمة خلال التشغيل، أما بالنسبة للجهة الخاصة، فهناك مخاطر تبدل الحكومات وتغير القوانين والتشريعات وتغير سعر الصرف خلال تنفيذ المشروع إضافة إلى مخاطر تغير عادات الاستهلاك أثناء فترة التشغيل طويلة الأمد، ومن المفترض أن تحدد دراسة الجدوى الاقتصادية للمشروع مخاطره لكافة الأطراف وكيفية تقليصها.

أسباب عدم النجاح
وحسب ما ذكر سكر فإن هناك تجارب ناجحة للتشاركية في العالم، وأخرى غير ناجحة، وقد تراوحت أسباب عدم النجاح بهشاشة دراسة الجدوى الاقتصادية للمشروع، وسوء إدارة طرح المشاريع من قبل الدولة، إضافة إلى الصياغة المبهمة للعقد الرئيسي بين الطرفين، وضعف الإشراف على المشاريع من قبل الحكومة، وغياب الآليات السريعة لحل النزاعات، واحتكار الأقوياء في الاقتصاد للمشاريع، مع ضعف التمويل المصرفي وغيرها.

أكثر ضرورة الآن
وحول سؤال وعنوان المحاضرة هل التشاركية ضرورة أم خيار؟ قال نبيل سكر: إن التشاركية بمفهومها المعرف أعلاه ضرورة قبل نكبة الاثنتي عشرة سنة الماضية، وأصبحت أكثر ضرورة بعد النكبة، ( وفق وصفه)، بالنظر لما تضمنته الأخيرة من دمار مادي في البنى التحتية والمرافق العامة، والتي قدرت كلفة إعادة إعمارها بأكثر من 500 مليار دولار، وهذا مبلغ فوق استطاعة الدولة المادية والبشرية للقيام به وحدها، وإذا اضطرت الدولة للقيام بمشاريع البنى التحتية والمرافق العامة وحدها، وهي لن تستطيع، فستضطر للاستغناء عن العديد من هذه المشاريع فيخسر بذلك الاقتصاد فرصاً للنمو والعمالة، كما سيخسر القطاع الخاص غياب البنى التحتية والمرافق العامة اللازمة لعمله وبالتالي يخسر الاقتصاد المزيد من فرص العمالة.

التشاركية والقطاع المشترك
وفيما يتعلق بالخلط ما بين مفهوم التشاركية والقطاع المشترك، أوضح الخبير الاقتصادي أن القطاع المشترك هو علاقة تعاقدية بين القطاع العام والخاص في مشاريع تهدف إلى الربح، سواء أكانت إنتاجية صناعية أم زراعية، ويساهم في هذه المشاريع كل من العام والخاص برأسمال هذه المشاريع على عكس مشاريع التشاركية المحددة وغير الهادفة إلى الربح، والتي يتحمل فيها القطاع الخاص كامل رأسمال شركة المشروع وإدارته وتمويله من ماله الخاص، مدعوماً بتمويل مصرفي، كما لا تتضمن مشاريع القطاع المشترك فترة زمنية محددة إلا ما يتطلبه قانون الشركات، وحين انتهاء المشروع تعود أصوله المتبقية إلى الطرفين كل حسب مساهمته في رأس المال، على العكس من مشاريع التشاركية التي تتضمن فترة زمنية محددة وتعود أصول المشروع إلى الدولة في نهايته وبالتالي فهي ليست خصخصة.

مطلوب تعديل قانون التشاركية وإعداد تعليمات تنفيذية لمختلف الحالات

وفي اعتقاد المحاضر فإنه حتى لو كانت خصخصة فما العيب في ذلك؟، علماً أن الخصخصة نجحت في العديد من الدول وفشلت في عديدها بسبب سوء تطبيقها، ممثلاً بالفساد والاحتكار ويفضل الاستعانة بخبرات دولية في تنظيم وإعداد الخصخصة وطرح مشاريعها وتنفيذها، والاستفادة من الخبرات العالمية في هذا المجال.
كما دلل الباحث على وجهة نظره بالشراكات الاقتصادية التي تمت في سورية بين العام والخاص في السنوات الماضية بعضها ناجح وبعضها لم ينجح، من أهمها تشاركية الإنتاج بين الدولة والقطاع الخاص الأجنبي في مجال النفط والغاز منذ منتصف السبعينيات، ثم المشاريع السياحية المختلفة والمشاريع الزراعية المشمولة بالقانون رقم 10 لعام 1986، ثم التشاركية في التأهيل والتشغيل والإدارة في بعض المنشآت الصناعية العامة وعقدي الاتصالات بين الدولة وشركتي الخلوي وغيرها، ما يتطلب إعداد قانون خاص للقطاع المشترك الربحي، يحدد الحوافز حسب نوعية القطاع والمشروع وأهميته للاقتصاد الوطني.

المطلوب لإنجاح التشاركية
وفيما يخص متطلبات إنجاح التشاركية في البنى التحتية والمرافق العامة، ذكر نبيل سكر عدد منها، كتعديل قانون التشاركية الحالي واقتصاره على مشاريع البنى التحتية والمرافق العامة وإخراج المشاريع الإنتاجية الهادفة إلى الربح منه وإعداد تعليمات تنفيذية محددة لمختلف الحالات، خلافاً للتعليمات التنفيذية الحالية التي أعدت خلال ثلاثة أسابيع.
وسن قانون للقطاع المشترك الإنتاجي الهادف إلى الربح ما دامت سورية لم تستكمل انتقالها إلى اقتصاد السوق، وتحسين قدرات الدولة على إعداد ملفات مشاريع البنى التحتية وطرحها بكفاءة وشفافية مع العمل على تحسين مناخ الاستثمار للقطاع الخاص المحلي والخارجي بما فيه تقليص تكلفة الأعمال وتحجيم البيروقراطية ومكافحة الفساد وتحسين القضاء.
ومن النقاط المهمة أيضاً إحياء قوانين التمويل طويل الأجل، مثل قوانين الاستثمار المصرفي والتمويل التأجيري والتمويل العقاري والتي تحتاجها مشاريع التشاركية طويلة الأجل، فضلاً عن السعي لجذب القطاع الخاص المغترب وقدراته المالية والتقنية وعلاقاته الخارجية.
وأخيراً، تعزيز القدرات المحلية لدى الحكومة كما على القطاع الخاص بالنسبة لدراسة جدوى مشاريع التشاركية نظراً لتعقيداتها وتعدد أطرافها وطول مدتها مع العمل والسعي لتثبيت الاقتصاد الكلي بمؤشراته المالية والنقدية (سعر الصرف، معدلات التضخم، والعجز المالي لدى الدولة)، لتشجيع الأعمال والاستثمار بمختلف أنواعها، وإقامة هيئة قضائية خاصة لحل النزاعات في هذه المشاريع تكون أحكامها مبرمة وغير قابلة للاستئناف.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار