حلب.. «قصدنا وأنت السبيل»
حلب للوارد جنة عدن.. وهي للغادرين نار سعير.. والعظيم العظيم يكبر في عينه منها قدر الصغير الصغير..
حاضرة حلب في قلوبنا ومآقينا..
تحضر حلب في الصباح والمساء.. وجوه أهلها الطيبين وأطفالها وطلابها وجنودها والأمهات والآباء في كل التفاصيل حلب تسكن عيوننا..
لكن أين أنت أيها الواهم في أحلام وخيال.. من مدينة عربية الهوى والفؤاد والتأسيس..؟ حضنت “عروس الشرق” الشعر، وألهمت الشعراء، فقد كانت مسكن المتنبي الذي يوصف بأنه أعظم شعراء العصر العربي، كما وصل صيتها إلى أعظم شعراء الغرب ويليام شكسبير في أكبر مسرحياته.
في محراب الشعر تشرق حلب في كل الحروف.. ولعل الشعر واحد من الفنون التي حضرت وانتعشت في حلب، يشهد على عظمة الحاضرة الكبرى في زمن الانتصارات، وبلغت ذروة مجدها الحضاري والشعري في عصر الحمدانيين، وتغزل بها المتنبي، وابن عم سيف الدولة الحمداني أبو فراس الحمداني.
ولعل أشهر قصيدة كانت للمتنبي في وصف حلب:
لا أقمنا على مكان وإن طاب … ولا يمكن المكان الرحيل
كلما رحبت بنا الروض قلنا … حلب قصدنا وأنت السبيل
فيك مرعى جيادنا والمطايا … وإليها وجيفنا والذميل
كما قال فيها البحتري، صاحب سلاسل الذهب، وابن منبج، من ريفها، قائلاً:
أمرّ على حلب ذات البساتين … والمنظر السهل والعيش الأفانين
لكن أكثر من امتدح حلب كان شاعرها الحلبي، أبا بكر محمد بن الحسن، المعروف بـ”الصنوبري”:
سقى حلب المزن مغنى حلب … فكم وصلت طرباً بالطرب
وكم مستطاب من العيش لذ … بها إذ بها العيش لم يستطب
إذا نشر الزهر أعلامه … بها ومطارفه والعذب
غدا وحواشيه من فضة … تروق وأوساطه من ذهب
أما الشاعر أبو العلاء المعري الشهير، رغم تشاؤمه وغضبه، فقد رأى أن حلب علاج ودواء، فقال في “رسالة الغفران”:
يا شاكي النوب انهض طالباً حلبا … نهوض مضنى لحسم الداء ملتمس
واخلع إذا حاذيتها ورعا … كفعل موسى كليم الله في القدس
وحتى الملك الأيوبي الناصر الذي كان يحمي حلب، تنازل وتغزل بها قائلاً:
إذا حلب وافيتها حيّ أهلها … وقل لهم: مشتاقكم لم يهوّم
وقيل بها كثير من الشعر في العصر الأيوبي، مثلما قال بها محمد بن علي:
حلب تفوق بمائها وهوائها … وبنائها والزهر من أبنائها
نور الغزالة دون نور رحابها … والشهب تقصر علة مدى شهبائها
بلد يظل به الغريب كأنه … في أهله فسامع جميل ثنائها
وكل دروب الحب توصل إلى حلب.. وقريباً تعود الى قلوبنا ونعود إلى حضنها.. فصبراً جميلاً يا حلب.