عندما تختلط النغمات
يكاد يتبدّد اعتماد معظم أفراد الأسر ذات الدخل المحدود على باقات الإنترنت، إلا في الضرورات القصوى، وذلك نتيجة الارتفاع الباهظ في قيمتها، وأمسى الاعتماد بشكل شبه كلّي على شبكة الإنترنت المنزلية.
لكن هذا الانجرار القسري وراء خدمة الإنترنت المنزلية لا يشفي الغليل، لأنها بجودة منخفضة وغير مستقرة وتتلاشى بين الحين والآخر، وغالباً ما يحدث تذبذب في حالتها مع قدوم أو انقطاع التيار الكهربائي، كأن كليهما متكافلان متضامنان في السرّاء والضرّاء.
لا نخفيكم أن حال انقطاع الإنترنت هذا، الذي يقاس على واقع تكرار انقطاع خدمات أخرى كالمياه والكهرباء ومازوت التدفئة والغاز المنزلي وغيرها، لم يعد يشكل هاجساً بالنسبة لنا، لأننا اعتدنا على الأمر مرغمين في ظل عدم نجاعة الاستجابة من الجهات المعنية في حال الشكوى، بمسوّغ ضعف الإمكانات المادية والبشرية وحدوث تعدّيات على منظومات تلك الخدمات.
ما يثير الضجيج في المنزل أحياناً، يتمثّل فيما يحدث فور عودة الإنترنت مساءً عندما يكون أفراد العائلة مجتمعين معاً، إذ تنهمر وتتداخل نغمات الرسائل التي تراكمت خلال فترة الانقطاع على اختلافها من موبايلاتهم، والتي تشعرك بأنك جالس في قسم عناية مركزة أو غيره من أقسام المشافي التي تغصّ بالأجهرة، حيث لا تنقطع في مثل هذه الأماكن أصوات نغمات الأجهزة الطبية، التي تؤشّر كل نغمة منها إلى حالة معينة لدى المريض، لكن الفرق أن أفراد الأسرة عندما يهرعون للاطلاع على رسائلهم الواردة، يبرعون بالتمييز بينها والتعامل معها، أما في المشافي فإن الأطباء المقيمين والممرضين يجتهدون في محاولة لتدبّر الحالات التي أشّرت إليها النغمات حسب ما تيسر لهم من خبرة، لعدم وجود طبيب اختصاصي في أغلب الأوقات يوجههم بالإجراء السديد.
بالعموم، ما نرغب الإشارة إليه هو أن رهان الجهات المعنية على صبر وتحمّل الناس وانصياعهم للاعتياد على تدنّي جودة الخدمات في ظل حصريتها، وانعدام الخيارات أمامهم بشأنها، يجب ألا يستمر أو يدوم، وخاصة بالنسبة لخدمة الإنترنت المنزلية التي يتم تقاضي أجور ليست بقليلة مقابلها، ولا بد من الارتقاء بالواقع الفني لمنظومتها للنهوض بأدائها.
كذلك ينبغي العناية الفائقة من اختصاصيين بجودة إنترنت الباقات التي تفعّل على الموبايلات، توازياً مع الحاجة الماسة لإعادة النظر بأجورها الباهظة التي سُنّت مؤخراً، آخذين بالاعتبار أن هذه الخدمة ليست رفاهية، بل ضرورة يقتضيها بإلحاح التعلم في الجامعات والمعاهد وغيرها، ويتطلبها إنجاز العديد من المعاملات لدى مختلف الجهات، وهذا ليس خياراً أراده المواطن، بل هو توجه إلكتروني أقرت اعتماده الجهات الوصائية.