«ثاد» و«باتريوت» بعد «فورد» و«آيزنهاور».. أميركا تستعد لـ«حرب إقليمية» كأنها ستقع بين يوم وآخر و«نيويورك تايمز» تحذر إدارة بايدن من خروج نهائي من المنطقة
تشرين – مها سلطان:
تستعد أميركا لـ«حرب إقليمية» كأنها ستقع بين يوم وآخر، هذا على الأقل ما يمكننا قراءته من استمرار التحشيد العسكري الثقيل جداً الذي تواصله أميركا في شرق المتوسط والمنطقة.. فبعد حاملتي الطائرات «فورد» و«آيزنهاور»، والاستعداد لنشر مئات الجنود الأميركيين في الكيان الإسرائيلي، ها هي أميركا تعلن أنها ستنشر بطارية صواريخ «ثاد» وكتائب إضافية من منظومة «باتريوت» في المنطقة لـ«تعزيز القدرة على الاستجابة لحالات الطوارئ»، حسب تصريح لوزير الدفاع الأميركي لويد أوستن اليوم الأحد، الذي أعلن أيضاً أنه سيتم إرسال قوات أميركية إضافية، لأن ذلك «سيساعد في الردع ويعزز حماية القوات الأميركية في المنطقة كما يساعد في الدفاع عن إسرائيل»، وقال: سنواصل تحليل الوضع ودراسة متطلبات نشر قواتنا في المنطقة وتقييم الحاجة إلى نشر قوات إضافية هناك.
هل هذا يعني أن أميركا متيقنة بحتمية اندلاع هذه الحرب، أم إن هذا التحشيد هو بهدف «الردع المسبق»، بمعنى من باب التهديد لـ«أطراف محددة» ومنعها من توسيع جبهة غزة، خصوصاً في حال نفذ الكيان الإسرائيلي هجوماً برياً على غزة.. أم إن أميركا هي من باتت تريد هذه الحرب لاستعادة قواعد القوة في المنطقة.. أو لنقل استغلال جبهة غزة لقلب المعادلة في المنطقة لمصلحتها بعد سنوات من تفلتها لمصلحة الخصوم، وصولاً إلى أنها اليوم بصدد خسارة كامل المنطقة لمصلحة هؤلاء الخصوم؟
وربما هناك ما يدعم هذه الجزئية الأخيرة إذا ما أخذنا بالاعتبار أمرين: الأول مشروع القرار الأميركي في مجلس الأمن يوم أمس الذي لا يدعو إلى وقف إطلاق النار وإنما «إلى تأكيد حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها».. والثاني هو الدعوة التي أطلقها الرئيس الأميركي جو بايدن لعالم جديد تعيد بناءه وتقوده الولايات المتحدة الأميركية، معتبراً أن بلاده سبق أن قامت بذلك، وبشكل جيد، بعد الحرب العالمية الثانية، وقال: لدينا اليوم الفرصة إن كنا جريئين وواثقين بما فيه الكفاية.
وتعليقاً.. يبدو أن بايدن يخطط لفعل ذلك من منطقتنا، فالفرصة التي تحدث عنها توفرها المنطقة باعتبارها اليوم الحلقة الأضعف، إذا جاز لنا التعبير، «نحن هنا نتحدث بالمنظور الأميركي» ولأن المعادلات التي أفرزها عقد ونصف العقد تقريباً من «الربيع العربي» لم تستقر لمصلحة أي من الأطراف، سواء داخل المنطقة أم خارجها، بما في ذلك الولايات المتحدة، وهذا لا ينطبق فقط على جغرافية الوجود العسكري الأميركي في سورية والعراق فقط، بل في عموم المنطقة، ومن ضمن ذلك دول الخليج العربية.
لذلك، وإذا كانت جبهة غزة تتدحرج باتجاه حرب أوسع فليكن ذلك، قد تكون تلك فرصة، تقول الولايات المتحدة «ومثلها إسرائيل».
هذا لا يعني أن أميركا لا تخشى من الحرب الإقليمية، كذلك الكيان الإسرائيلي يخشاها، خصوصاً أن مسألة توسيع الجبهة تمسك بخيوطها الأطراف الأخرى في المنطقة.. وأكثر من ذلك تجعل كل من أميركا و«إسرائيل» تعيشان على وقع مسار «تدخل» محسوب وممسوك، مع الاحتفاظ بالتوقيت، وإبقاء العدو على نار ما ينتظره من مفاجآت، ليبقى متردداً عاجزاً عن النزول من الجو إلى الأرض، يدخل غزة براً أما يبقى يمارس عدوانه جواً؟.. وإذا بقي كذلك فلا يستطيع القول إنه استعاد «الهيبة والردع».
وعليه، فإن غزة ليست هي المعضلة فقط، بل إن المقاومة اللبنانية على جبهة الشمال هي المعضلة، بل الكابوس اليومي للكيان الإسرائيلي وللولايات المتحدة، حيث إن السؤال لم يعد: هل ستنضم إلى جبهة غزة؟ بل السؤال هو متى؟ إذا أخذنا بالاعتبار مجمل التصريحات الإسرائيلية في اليومين الماضيين التي تركزت على مسألة أن المقاومة اللبنانية «حزب الله» بات في قلب المعركة، أما التقديرات حول قوته الصاروخية فما زالت رهن التقديرات الإسرائيلية بـ150 ألفاً تغطي كامل الكيان، من دون أن يكون هذا الرقم نهائياً، ومن دون الحديث عن القوة البشرية عدداً ونوعاً.
صحيفة «نيويورك تايمز» في مقال بارز فيها للكاتب الأميركي توماس فريدمان، حذر إدارة بايدن من أن جبهة غزة إذا ما استمرت مفتوحة فإن ذلك سيكون الفرصة الأكبر أمام «الأطراف الأخرى» لإخراج أميركا من المنطقة نهائياً، مؤكداً أنه لم يسبق له أن شعر بمثل هذا القلق من قبل، وأنه يتوسل للرئيس بايدن أن يتحدث مع المسؤولين الإسرائيليين بشأن «عدم الوقوع في فخ الغزو البري»، وقال: «إسرائيل» على وشك ارتكاب خطأ فادح، لقد حذرت في مقالين سابقين من شن هجوم بري على غزة، ومن خلال ما استقيته من كبار المسؤولين الأميركيين فإن بايدن فشل في إقناع الإسرائيليين بالتراجع والتفكير في كل الآثار المترتبة على غزو غزة براً، بالنسبة إلى «إسرائيل» والولايات المتحدة.
وشدّد فريدمان على أنّ ذلك سيكون مدمراً للمصالح الإسرائيلية والمصالح الأميركية، مضيفاً: قد يؤدي ذلك إلى إشعال حريق عالمي وتفجير هيكل التحالف المؤيد لأميركا بالكامل، الذي بنته الولايات المتحدة في المنطقة منذ أن «هندس هنري كيسنجر نهاية حرب تشرين في عام 1973»، في إشارة إلى معاهدة «كامب ديفيد» ثم اتفاقيات «أوسلو»، وصولاً إلى اتفاقيات «أبراهام»، والتطبيع المحتمل مع السعودية، وقال: الأمر برمته قد يشتعل.
وأكد فريدمان أن الأمر لا يتعلق فقط بمسألة ما إذا كانت «إسرائيل لها الحق في الانتقام»، بل بالطريقة التي لا تصب في مصلحة الفلسطينيين وإيران وروسيا، لافتاً إلى أنه لن يكون هناك من يستطيع انتشال «إسرائيل».
ولفت فريدمان إلى أنه «مع مرور الأسبوع الثاني، لاحظ المسؤولون الأميركيون إشارات متزايدة على أنّ كلا الزعيمين، قائد الثورة والجمهورية الإسلامية في إيران السيد علي خامنئي، وأمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، يسمحان لقواتهما بمهاجمة أهداف إسرائيلية بشكل أكثر عدوانية، وأنهما قد يهاجمان أهدافاً أميركية إذا تدخلت الولايات المتحدة.
وأضاف: إنهما «يشتمّان المنطق القائل بأنّ الغزو الإسرائيلي البري لغزة يمكن أن يساعد في تحقيق هدفهما المتمثل في إخراج أميركا من المنطقة برمتها».
وشدّد فريدمان على أنه لم يسبق له أن كتب مقالاً بهذا القدر من الإلحاح من قبل، لأنه لم يشعر قط «بمثل هذا القلق بشأن كيفية خروج هذا الوضع عن نطاق السيطرة بطرق يمكن أن تلحق الضرر بإسرائيل بشكل لا يمكن إصلاحه، وتضر بالمصالح الأميركية بشكل لا يمكن إصلاحه أيضاً».
وأكد فريدمان أنه يتوسل إلى بايدن أن يقول للإسرائيليين هذا على الفور «من أجلهم، ومن أجل أميركا».