تطعيم

يشقُّ المزارع جذعَ الشجرة الريّان، ويضع فيه برعماً، ثم يغطيه بطينٍ طريّ فضمادٍ يلفّه كضماد الجرح، ويتركه للأيام، ولا تلبث الأيام أن تجعله غصناً أصيلاً من الشجرة الوارفة، يعطيها خصائص جديدة وثماراً مختلفة!
التجارب البشرية أو الإنسانية تتناقل خبراتها، فمبدأ التطعيم الزراعي ربما جاء من مزج الألوان، أو قدور الطبخ أو خلط البهارات أو نسج الأقمشة أو صناعة العصائر، أو إضافة النحاس إلى الذهب، وكلُّها خبرات تجاوزت العناصر الأصلية إلى «أمزجةٍ» تتناغم مع أمزجة صانعيها، وقدمت لهم منافع! أفكر بهذا في غرفة ذهنية خلفية سحيقة، وأنا أقرأ رواية سورية «حديثة» طويلة ومملة لكثرة السرد الذي لا يقدم أيّ خدمة للحدث الأساس، ثم يفاجئني حوار الشخصيات بالعامّية! لماذا هذا «التطعيم» في بنية الرواية؟ لماذا النزول عن صهوة اللغة والتجاور بين الفصحى والعامية؟ انتحاءٌ إلى الواقعية حسب زعم الكاتب؟ أين تذهب الواقعية حين قراءة المتن الأدبي؟ ولماذا تحضر هذه الواقعية فجأةً كأنها مطبّ في الطريق؟ والعامية هشة حين تطعّم الفصحى المتينة التي صُقلت عبر دهور زمنية، ولحقت بها قواعدُها، وسيقول قائل: هناك شعراء كبار كتبوا بالعامية، ونحن لا نغمط هؤلاء حقهم ولا إبداعهم المسبوق دائماً بتوصيف العامية تمييزاً لهم عن الشعراء الذين لا يُقال فيهم شعراء فصحى بل شعراء فحسب! والقصيدة العامية لها مكيال آخر؛ لأنها مشهد وليست قصة أو رواية، وهي نفسها قد تتحول إلى أغنية تمتزج بلحن، لذلك يبدو تطعيم الروايات والقصص بالعامية استسهالاً من الكاتب وعدم محاسبة من النقاد والقراء، وهذا يستشري بشكل واسع في الأدب المصري الذي عمد الكثير من كتّابه إلى استخدام اللهجة المحكية وتكريسها في القصة والرواية على دَرْج الأفلام والمسرحيات والمسلسلات، ورغم المتعة التي قد يجدها القارئ في مثل هذه الأعمال، تغيب حقيقة ناصعة، هي قدرة الفصحى غيرالمحدودة على التعبير، إضافة إلى حاجتنا لما يجمعنا ولا يدفعنا للبحث عن معنى مفردة سودانية أو جملة جزائرية أو تعبير عراقي، وإذ مازلنا نستخدم المعاجم العريقة الجامعة للبحث عن مترادفات، فإننا لسنا بحاجة إلى تأليف معاجم لهجات عربية ،نتجاوز فروقها بلقاءات مودة حين نسمع أغنية شائعة أو نتبادل التحيات!
قبل أن تنتهي تداعياتي أتذكر أن شروط القبول حتى للمسابقات التي يشارك فيها الأطفال في سورية، وزارة الثقافة، أن تكون اللغة فصحى، وتُستبعد الأعمال غير الملتزمة، فما بالنا نتساهل ونتنازل؟؟

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
(وثيقة وطن) تكرم الفائزين بجوائز مسابقة "هذه حكايتي" لعام 2024..  د. شعبان: هدفنا الوصول لحكايا الناس وأرشفة القصص بذاكرة تحمل وطناً بأكمله معلا يتفقد أعمال تنفيذ ملعب البانوراما في درعا ويقترح تأجيل الافتتاح بسبب تأثر المواد اللاصقة بالأمطار الوزير الخطيب: القانون رقم 30 يهدف إلى حماية بنية الاتصالات من التعديات الوزير صباغ: إمعان الاحتلال في جرائمه ضد الشعب الفلسطيني يعبر عن سياسات إرهابية متجذرة لديه الجلالي يبحث مع أعضاء المجلس الأعلى للرقابة المالية صعوبات العمل ووضع حد لأي تجاوزات قد تحدث طلاب المعهد الصناعي الأول بدمشق يركّبون منظومة الطاقة الشمسية لمديرية التعليم المهني والتقني أجواء الحسكة.. عجاج فأمطار الأضرار طفيفة والمؤسسات الصحية بجهوزية تامة لمعالجة تداعيات العجاج انطلاق فعاليات أيام الثقافة السورية في حلب بمعرض للكتاب يضم ألف عنوان أين وصلت عمليات الترميم والتأهيل لمتحف معرة النعمان وماذا عن متحف حماة وقلعتها؟ بسبب العاصفة.. أضرار مختلفة في الشبكة الكهربائية باللاذقية