“جواسيس خرساء” في بيوتنا.. منصات التواصل الاجتماعي تضخ أفكاراً هدّامة.. سمّ في الدسم
تشرين – دينا عبد:
فرضت مواقع التواصل الاجتماعي محتواها بقوة ومن دون رحمة بكل مضامينها المقبولة وغير المقبولة الاجتماعية والرياضية والدينية والثقافية كأمر واقع على كل متابع لهذه المنصات.
د. مجدي الفارس علم نفس إعلامي (كلية التربية) جامعة دمشق يشرح أنّنا كلنا أصبحنا نتعرض لهذه المنصات، لكن اللافت للانتباه أن هناك نوعين لها الأولى: غرائزية بحتة تعمل من دون تخطيط وتعتمد على الإيحاءات والغرائز الإنسانية والانفعالات والعنف وتلفت الانتباه بصورة كبيرة من خلال إيقاظ غرائز موجودة عند الإنسان، هذا بشكل طبيعي موجود بكل أنماط الإعلام عبر التاريخ؛ لكنه كان مخفياً، أما الآن فقد أصبح علنياً وفاضحاً.
أما النوع الثاني بحسب د. الفارس مخطط له من هذه المنصات يحاكي الغريزة، والفارق كبير بين النوعين، لكن (النتيجة واحدة) الأولى غرائزية من الألف إلى الياء تعمل بشكل غرائزي وتفضح بسرعة، أما الثانية فهي مخطط لها تعتمد في بناء الصورة الذهنية والخبر على الغريزة.
باختصار شديد فإن المحتوى الانفعالي المشبع بغرائز إنسانية هو الأكثر استقطاباً للجمهور عبر منصات التواصل الاجتماعي نظراً لسهولة تلقيه لأنه يدغدغ الغرائز التي تكون كامنة ووجدت ضالتها في هذه المنصات من دون حسيب أو رقيب.
هذه المنصات هي المحرك للكثير من الغرائز التي عملت على تضخيمها بصورة غير مبررة حسب الفارس؛ وقواعد الغرائز للنشر في هذه المحطات هي أن الجمهور بشكل عام يلتفت وراء الإشباع المباشر والفوري والآني لكل غرائزه؛ وهذا ما يجده المشاهد أو المتابع أو الذي يتعرض لهذه المنصات.
علي : استمالة الأطفال وإغراؤهم بالمال مقابل تنفيذ الأفعال أو الإدلاء بأقوال وبتجارب لا تنتمي إلى ثقافة المجتمع
ثانياً: حب تقدير الذات المرتبط بالآخرين عند البعض، وهي مشكلة من يرى في تقدير ذاته معيار استقطاب الآخرين أو حبهم يبدأ بما يسمى (السبق الصحفي) أو المشاركة من دون وعي أو تحليل أو عقلنة لما ينشر عبر المنصات؛ ومن الملاحظ أن هناك بعض المنصات هدفها جمع التعليقات؛ هذا العراك ما بين تقدير الذات المرتبط بمحرك خارجي من الناس أو محرك داخلي (الفرد نفسه) يدفع الكثيرين إلى اللجوء إلى منصات التواصل الإلكترونية للتنمر على الآخرين أو لفضح أسرارهم أو الكشف أخبارهم واختراق خصوصياتهم؛ وهذه العملية تثير أيضاً جذب انتباه قوياً لمختلف الشرائح الأخرى من الناس.
ماذا نفعل؟
ويرى الفارس أن بعض المنصات تجيد اللعب تماماً في هذا البعد الغرائزي الانفعالي، فتسوّق لأفكار عقلانية مخطط لها بقالب انفعالي غرائزي، وهذا ما نفتقده نحن والكثيرون في دول العالم في استغلال هذه المواقع والانتشار الكبير لمليارات الناس عليها نبقى متلقين ومحللين فقط، وتبقى القصة في النهاية لدى الجمهور ووعيه وعقلنته لما يتعرض له.
فالتربية الإعلامية في مناهجنا ومدارسنا وجامعاتنا وفي كل الأماكن التي يوجد فيها طلاب وتنمية بشرية ضرورية، لأنها المفتاح الوحيد الذي يحصِّن الجمهور الذي يتعرض لهذه التربية من هذه المنصات الاجتماعية التي طغت وستستمر والقادم أعظم.
سلوكيات منحرفة
بدورها الاختصاصية في علم الاجتماع في جامعة دمشق د. سمر علي بيّنت خلال حديثها لـ”تشرين” أنّ منصات التواصل الاجتماعي تؤثر في مفاهيم الأفراد ومواقفهم المعرفية والوجدانية والسلوكية، التي تسعى مؤسسات التنشئة الاجتماعية وخاصة الأسرة إلى إكسابها للفرد.
ومع اقتحام تلك المنصات الاجتماعية الحياة اليومية للأفراد بدأت آثارها السلبية مثل الإيجابية بالظهور؛ كما تحتوي هذه المنصات على تضمينات سريعة لقيم وأنماط ثقافية دخيلة تؤثر في التنشئة الصحيحة للفرد؛ فمن السهل لأي شخص أن ينزل إلى الشارع بكاميرا موبايل وتسجيل عدة فيديوهات لمقابلات مع ناس أو أطفال أو شباب وطرح أفكار وأسئلة وقضايا قد تكون مثيرة للانتباه أو غير مألوفة لمجرد جمع اللايكات والمشاهدات أو لتصبح
(تريند) مميز يضيفه إلى صفحاته على تلك المنصات.
وبحسب د. علي فإن الخطر قد يشمل استمالة الأطفال أو المراهقين وإغراءهم بالمال أو الهدايا مقابل تنفيذ الأفعال أو الإدلاء بأقوال أو القيام بتجارب لا تنتمي إلى ثقافة المجتمع وكل ذلك قد يكون مضمناً ومغلفاً بالفكاهة والجرأة وتحدي المجتمع والتقاليد؛ فقد أصبحت مفاهيم الخيانة والمساكنة والعلاقات المشبوهة وقلة الحياء ومخالفة القوانين وسواها أموراً مألوفة على تلك المنصات الاجتماعية والأكثر شهرة منها من يكسر تلك المحظورات ويجمع أعلى رقم في المشاهدات والإعجابات؛ ولا يهم هنا ما ينطوي عليه ذلك في هدم للأخلاق وإيذاء وجرح الآخرين والتنمر الإلكتروني والابتزاز بالإضافة للأمراض النفسية التي قد تنجم عن متابعة تلك المنصات.
مفاهيم الخيانة والمساكنة والعلاقات المشبوهة وقلة الحياء ومخالفة القوانين وسواها أمورٌ مألوفة على تلك المنصات الاجتماعية
أو الوقوع ضحية لها على الرغم من وجود قلة في تلك المنصات لها أهداف نبيلة ونهج إيجابي وتطرح فكراً وثقافة وفائدة ترتقي بالأخلاق والقيم وتشجع التواصل الإيجابي في تلك المنصات، وتلقي الضوء على ما هو حضاري وقيمي .
المحامي الصويص: غرامة من خمسة إلى عشرة ملايين إذا تم الجرم عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي
وفي المحصلة ينبغي الحذر من ترك تلك المنصات المأجورة من ممارسة خططها المدروسة في هدم البيوت والأخلاق والقيم، فلا يمكن أن يصبح الخطأ قاعدة إلّا في غياب العقل الواعي والحكمة والإرادة.
ماذا يقول القانون؟
المحامي عيد الصويص بيّن أنّ الجريمة الإلكترونية إذا كانت للنيل من مكانة الدولة المالية عقوبتها كما نصّت المادة 286عقوبات يعاقب بالاعتقال المؤقت يعني ثلاث سنوات للخمس عشرة سنة سجن من نقل في سورية أنباء يعرف أنها كاذبة أو مبالغ فيها من شأنها أن توهن نفسية الأمة، فالجريمة هي وهن نفسية الأمة والنيل من هيبة الدولة والتحريض على الفعل عقوبته كعقوبة الفاعل.
وهناك قانون الجريمة المعلوماتية رقم 20 لعام 2022 قد أفرد عقوبات لهكذا أمور وهي السجن المؤقت من أربع سنوات لخمس عشرة سنة، والغرامة من خمسة إلى عشرة ملايين إذا تمّ الجرم عن طريق مواقع إلكترونية أو منصات تواصل القصد منها الاعتداء على الدستور أو سلخ جزء من أراضي الدولة أو النيل من مكانتها المالية، أو نشر أخبار كاذبة القصد منها تدني سعر النقد أو إثارة النعرات الطائفية أو النيل من هيبة الدولة وخصوصاً المواد 28و29 من قانون الجريمة المعلوماتية رقم 20 لعام 2022.