معركة ميسلون.. ومازال السوريون يرددون: راية الوطن حق يعلو ولا يُعلى عليه
تشرين- هبا علي أحمد:
من ميسلون وما قبلها، إلى اليوم وما بعده، هو التاريخ السوري يجدّد ذاته دائماً بالتحدي والصمود والدفاع عن الأرض وأبنائها ومن ثم يصل إلى الانتصار مهما كلّف هذا الانتصار من أثمانِ غالية ونفيسة مدفوعة بدماء الشهداء الأبرار وتضحيات الأهالي وصمودهم خلف جيشهم وقائدهم، لكن المطاف يصل إلى نهايته الحتمية المكلّلة بالانتصار عاجلاً أم آجلاً، فالسوريون لم يعهدوا إلّا الانتصار، كما لم يعهدوا إلّا الصمود مهما ضاقت الحال فلا بدّ للحق أن ينتصر.
اليوم ونحن نستكمل معركة التحرير من حرب عالمية دامت 13 عاماً ومستمرة حتى طرد المحتل بمسمياته المتعددة، نستذكر معركة ميسلون في ذكراها الثالثة بعد المئة، ونستذكر أيضاً بطلها الشهيد يوسف العظمة ورفاقه، ونستذكر معها كل معركة خاضها جيشنا العربي السوري المقاوم منذ تأسيسه 1945 إلى اليوم، فكل تضحية قُدمت وكل قطرة دمٍ سالت هي قاعدة صلبة أسست لبناء متماسك شامخ في وجه المؤامرات والمخططات الهدامة، وكل معركة تم خوضها في وجه أي محتل فرنسي أو تركي أو أمريكي أو غيره هي علامة فارقة أسست وتؤسس لمراحل جديدة من المقاومة حتى لو انتهت الحرب، فالمقاومة هي عمل حياتي مستمر متواصل وملازم لنا في شتى الأوقات والظروف.
في ميسلون 1922، انطلق العظمة ورفاقه لملاقاة الغازي الفرنسي، بجيش قوامه 3000 مقاتل، مقابل جيش فرنسي قوامه 9000 ومزود بطائرات ودبابات ومدافع وإمدادات، ورغم معرفة العظمة وحُسن تقديره بأن القوات الغازية أكبر وأعظم عدة وعتاداً وعدداً إلّا أن يوسف العظمة فضّل الشهادة على أن يقال دخلت قوات غازية دمشق من دون مقاومة.. في ميسلون قاتل العظمة ورفاقه رفضاً لإنذار الجنرال هنري غورو بحلّ الجيش الوطني وتسليم السلطة الفرنسية السكك الحديدية وقبول تداول ورق النقد الفرنسي السوري وغير ذلك مما فيه القضاء على استقلال البلاد وثروتها، ورغم عدم كفاءة المعركة التي أسفرت عن استشهاد البطل العظمة وعدد كبير من المقاتلين بعد أن سطّروا أروع ملاحم البطولة، إلّا أن البطولة والاستبسال في الدفاع كانا ملحمة خلّدها التاريخ إلى اليوم.
وفي معركة التحرير اليوم، يواجه جيشنا الباسل الاحتلال بكل مسمياته ويواجه أيضاً التنظيمات الإرهابية، استشهد من استشهد وجُرح من جرح، وخاض أقسى المعارك وأشرسها لكنه ما استكان ولا ضعُف، بقي ثابتاً ثبات هذه الأرض متمسكاً بالعقيدة السورية الدفاعية النضالية التي حولت عدم كفاءة المعركة أيضاً في البداية إلى صالحنا في مراحل متقدمة، لأن الإيمان بما نقدم عليه أقوى من كل الدبابات والطائرات والمدافع.. هذا الإيمان وهذه العقيدة أرادت القوى المتآمرة النيل منهما، لذلك كان أول الاستهدافات لمؤسسة الجيش كما تمّ استهداف الجيش العراقي وحلّه وعمّت الفوضى بعده، لكن في سورية خابت آمال المتآمرين وبقي الجيش العربي السوري متماسكاً صلباً مقاوماً ومدافعاً.
بعد ميسلون استمر النضال السوري نحو 26 عاماً حتى عادت دمشق عاصمة لدولة مستقلة ذات سيادة في السابع عشر من نيسان 1946، واليوم نواصل النضال حتى طرد المحتل وتحرير كل شبر على امتداد الجغرافيا السورية، وهذه حقيقة وحتمية نؤكد وسنبقى نؤكد عليها في كل مناسبة وفي كل الأوقات وبلا مناسبة، فلا خيار لدينا إلّا النضال والإيمان بحتمية النصر.