بصمات سوداء و«أكفّ آثمة»… ضحايا الألغام في سورية شهداء ما بعد المعركة مع «الظلام»..

تشرين- أيمن فلحوط:
قبل أيام قليلة استشهد 6 مواطنين من جراء انفجار لغم أرضي من مخلفات إرهابيي تنظيم (داعش) في منطقة البشري بريف دير الزور الجنوبي، أثناء بحثهم عن فطر الكمأة، وتوفي طفلان في منطقة مديرة حين ظنوا أن بعض تلك القنابل في الأراضي ألعاباً للهو بها.
47 شخصاً فقدوا حياتهم، وأصيب 71 آخرون، أثناء جمع الكمأة في الموسم الحالي فقط (من 5 شباط وحتى 22 آذار 2023) كما أشارت بعض المصادر.

5070 شخصاً ضحايا الألغام ومخلفات الحرب على سورية بين عامي 2018 و2022

ليصل عدد ضحايا الألغام ومخلفات الحرب في سورية إلى 5070 بين عامي 2018 و2022. ويشير آخرون لحوادث يومية، بمعدل حالتين نتيجة للألغام التي زرعها الإرهابيون في العديد من الأراضي السورية، وكذلك التي تركها العدو الصهيوني مزروعة في محافظة القنيطرة.
هذا اللغم قد يوقف عجلة الحياة على مستوى الزراعة والرعي والأعمال اليومية والمرافق الحيوية، ويشل حركة المنطقة، ومن هذا الباب عمل المعنيون في الهلال الأحمر العربي السوري على التوعية بمخاطر الألغام، وتوجيه الناس للتصرف الأمثل في حال مشاهدة تلك الألغام، بعد قيامهم بتقديم الشرح والمعلومة الواضحة للمتلقين من شرائح المجتمع المختلفة.
جلسات توعوية
ينشط الهلال الأحمر العربي السوري في ريف دمشق عبر فعالياته التوعوية، التي تابعتها “تشرين” بتقديم جلسات التوعية بخطر الألغام في ريف دمشق، واستفاد منها أكثر من 37 ألف شخص في العام المنصرم وفق المعنيين، من خلال نشر الرسائل التوعوية التي كانت مغايرة عن السنوات السابقة، بتقديم عدد من أطفال الكورال في فريق البشاير في مدينة جرمانا، بصالة الوقف، عرضاً أنيقاً تدربوا عليه جيداً، وكتبت له كلمات خاصة لنشر التوعية بمخلفات الحرب، عن طريق الأغاني بغية الوصول إلى أكبر فئة وبطريقة قريبة من القلب، مع معرض رسم ضم 40 لوحة حول أنواع مخلفات الحرب، المؤشرات التحذيرية، المناطق الموجود فيها الإشارات التحذيرية الرسمية والمحلية، والسلوكيات الأكثر أماناً.

أكثر من 37 ألف مستفيد من الجلسات التوعوية في ريف دمشق 2022

وأيضاً عن طريق مباراة لترويج السلوك الأكثر أماناً بكرة القدم ضمن فريقين في منطقة يبرود، بالكتابة على قمصان الفريقين الرسائل التوعوية، ومسرحية للدمى تصل للأشخاص بطريقة غير اعتيادية.
فكانت رسائل مريحة للحضور والمتابعين للفعالية، التي تعددت جلساتها في أكثر من مكان بمدينة جرمانا، وعلى مدار عدة أيام تحت عنوان” معاً ضد الألغام” في إطار التوعية بمخاطرها والذخائر غير المنفجرة، وشعارهم .. ابق بعيداً.. ابق حياً.

وحذرت تلك الرسائل، من رؤية أي شيء مجهول، أو مشبوه بعدم الاقتراب منه أو لمسه، وضرورة الإسراع لإبلاغ الجهات المعنية فوراً على الرقم 108 المخصصة من قبل وزارة الداخلية لهذا الغرض.
توجيه الرسائل
بشرحها المبسط لتوجيه الرسائل التوعوية إلى الحاضرين في الصالة قدمت رئيسة قسم التوعية بمخاطر الألغام في فرع ريف دمشق للهلال الأحمر العربي السوري ريم شاهين، صورة عن الأعمال التي أنجزها الفريق ومهامه منذ بداية عمل القسم في شهر آذار عام 2019، وتركزت على تقييم المناطق الملوثة، لتحديد الاحتياجات، وإحصاء عدد الحوادث في تلك الأماكن، التي جرت فيها الأحداث المختلفة، قبل الانتقال لمرحلة صياغة وإعداد الرسائل، لتكون جاهزة للجلسات التوعوية والتدخل، لجميع فئات المجتمع من أطفال وبالغين من الرجال والنساء، ويتم التركيز على الفئات الأشد ضعفاً، لكونهم الأشد تعرضاً لمخلفات الحرب، من عمال البناء وإزالة الأنقاض والفلاحين المزارعين الذين يحتكون بالأرض، والرعاة في الأماكن التي ترعى فيها الماشية، والعائدون لبيوتهم ، والفرق العاملة في المنظمات الإنسانية من المتطوعين، الذين من ضمن عملهم التوجه للمناطق الأشد خطراً وتلوثاً من مخلفات الحرب، لكونها الأشد احتياجاً.
الغوطتان الشرقية والغربية

بداية عمل الفريق وفقاً لشاهين كان في الغوطة الشرقية، التي تضم مجموعة كبيرة من المناطق، التي تعرضت لهذا الخطر، والغوطة الغربية، واستطعنا تغطية نصف محافظة ريف دمشق تقريباً بجلسات التوعية، وركزنا على الأطفال الذين يتعرضون للحوادث أكثر من غيرهم، لكونهم أثناء لعبهم قد يشاهدون تلك المخلفات ولا يعرفون أنها مؤذية، ويقودهم الفضول للعب أو الاقتراب من تلك المناطق الخطرة، عدا عمليات جمع الخردة بسبب الحاجة الاقتصادية، فقد يتم جمع بعضها من دون دراية أنها مواد خطرة ويتم انفجارها لاحقاً، وتحدث الوفيات، وهناك جامعو الحطب من أجل التدفئة، والكمأة والعكوب الموسمية في هذه الفترة، ومن أسباب الحوادث أيضاً قيام بعض الأفراد بإزالة الألغام بشكل فردي من دون التوجه للجهات المختصة لإزالة الألغام، ومعظم الحوادث كانت في مناطق العودة بنسب كبيرة وفي المناطق الزراعية.

كما تم توزيع “بروشورات” هي دفاتر تحمل رسائل توعوية عن طريق أغلفتها، إضافة للكتيبات، وفيديو يعرض على التلفزيون العربي السوري كأحد طرق الترويج للبرنامج ونشر رسائل التوعية.
«فليكسات» توعوية
وعقدنا 1600 جلسة توعية في العديد من مناطق المحافظة وفي المراكز الثقافية، وعن طريق الفيديوهات ورسائل SMS التي ترسل إلى الجوالات أو رسائل الراديو والتي لم تبدأ بعد، وعلقنا لوحات فليكسات توعوية للعائدين إلى منطقة الحجر الأسود، للدلالة على المناطق الأكثر تلوثاً.
فالتوعية جانب مهم، وقد خففت العديد من الحوادث، ومادامت هناك مخلفات فالحل الوحيد هو الإزالة، والجهات المختصة تقوم بكل جهد ممكن لعمليات الإزالة، وهي تحتاج كوادر بشرية وموارد مادية كبيرة، كما ينبغي على الشراكات الدولية المساهمة بإزالة تلك المخلفات من الألغام.

رئيسة قسم التوعية بمخاطر الألغام : أنشطتنا تهدف إلى الترويج للسلوك الأكثر أماناً

التركيز على الأطفال
تتابع السيدة شاهين: في المدارس تركزت أنشطتنا على الأطفال في مناطق الغوطتين الشرقية والغربية والقلمون والزبداني، الأشد تعرضاً لمخلفات الحرب من ألغام وشظايا، صواريخ، قنابل عنقودية، ذخائر غير متفجرة، طلقات الرصاص التي يلعب فيها الأولاد، وهدفت الأنشطة إلى الترويج للسلوك الأكثر أماناً، كما عملنا مع الكثير من الجمعيات الأهلية والخيرية، والفعاليات، وعمال الكهرباء والبناء والنظافة، والمتطوعين من الهلال، والفلاحين في حملة توزيع منحة البذار لتوعيتهم في الأراضي التي قاموا بزراعتها.
أنواع الألغام
بالانتقال لمكان آخر لإحدى جلسات التوعية واحتضنته جمعية لمسة حنان للمصابين بالسرطان تجمَّع 29 فرداً لمتابعة سماح الأطرش ونهاد داود وهما يستعرضان كل ما يتعلق بمخلفات الحرب من ألغام وغيرها، فيشير الأطرش لأنواع الألغام المضادة للأفراد بأنها تقسم لقسمين؛ متفجرة ومتشظية.
مذكراً بحادثة اليافع في زبدين الذي كان عمره 14 عاماً حين قصد أرضهم ليلعب الكرة، فأنفجر لغم بقدميه أدى لبترهما.
وهذه الألغام قاتلة على مسافة 100 متر إذا تعرض الإنسان للإصابة بها في المناطق النبيلة ( الدماغ والكلية وشبكية العين والقلب)، وكثير من الحوادث جرت في حماة، التي تعاني كثيراً من مخلفات الألغام التي زرعتها العصابات الإرهابية، وإلى الآن لم تتخلص منها المنطقة كلياً.
ومن أنواع الألغام الفردية الوثاب وهو الأكثر شيوعاً، والوتدي، وكلاهما مربوط بأسلاك، وقاتل على مسافة 100 متر.
اللغم الموجه أو اللغم التلفزيوني يمكنه أن يدمر سيارة مركبة، ويستهدف مجموعة الأفراد.
وهناك الألغام التي تستهدف الآليات وتزرع في الأراضي الزراعية وعلى حواف الطرقات وتستهدف الآليات، ومزروع حولها ألغام مضادة للأفراد.
في حادثة أبو أحمد وعائلته المشهورة في ريف حلب الشرقي بمنطقة حندرات توجهوا لجمع الكمأة، وكان عددهم 22 وحين وصلوا لطريق ترابي قال أبو أحمد لأخيه: “يا أخي ما حدا فات من هاد الطريق. شو نحنا بدنا نفوت؟” فرد عليه: “اتكل على الله” ليرد مجدداً: ونِعم الاتكال، وبعد 50 متراً مات 19 ولداً والولد الآخر بترت رجله كي لا يصاب بالغرغرينا، ومن تلك الأنواع للألغام A.M 47 و57 و62، وفيها الصاعق قد يكون مؤذياً فيصيب الأطفال بأيديهم إذا أمسكوه، وإذا اقترب من العين أثناء حمله يتسبب بالعمى.
روت إحدى السيدات الحاضرات للجلسة كيف أن أخا زوجها تعرض للبتر في أصابع يديه الثلاث، حين حمل الصاعق ظناً منه أنه قديم ولا ينفجر، وحين اقترب من النار، أصيب بأصابعه الثلاث فتعرضت للبتر.
أما أخطر أنواع القنابل فهي القنابل العنقودية، ولها عدة أشكال وألوان، ومغرية للأطفال، وعلينا أن نحذرهم منها.
الشيراك الخداعية
لتبين بعد ذلك نهاد داود الشيراك الخداعية، التي تعني كما عرفتها جسماً آمناً يعمل فيه جسم متفجر.

ليعود سماح بالإشارة لحادثتين تتعلقان بالشيراك، الأولى في منطقة المليحة حين عاد رجل إلى بيته ووجد الباب الرئيس بمكانه، فكان حذراً وقام بإخبار الجهات المختصة، ليتبين أن الباب كان ملغماً، فأنقذ نفسه وعائلته، في حين الحادثة الثانية التي جرت في داريا قام رجل وابنه بدخول بيتهم، ومن فرحة الأب بوجود البراد في بيته، قام بفتحه لينفجر به وبابنه.
لتنصح الآنسة نهاد الحضور بعد ذلك بتنبيه أطفالهم من اللعب في المناطق العسكرية المهجورة، أو الاقتراب من الدبابات والسيارات المهجورة، لأنها قد تكون مفخخة بألغام، أو جمع أي أحجار من تلك المناطق، أو السير في المستنقعات على الطريق، لأن الألغام بالسيول والأمطار قد تتحرك، وتنتقل من مكانها المعروف إلى أماكن آمنة.
الإشارات التحذيرية
هناك الرسمية وغير الرسمية والمتعارف عليها دولياً كما تشير نهاد، وهي الشريط الأحمر والأبيض، والمثلث المقلوب بالأحمر سادة، أو ضمن داخله جمجمة، أو مكتوب عليه كلمة خطر.
أما المؤشرات المحلية المتعارف عليها عند معظم الناس، فهي الحجارة حين توضع بشكل دائري في منطقة ما، أو بطريقة الهرم، أو وضع عصا وعليها زجاجة فارغة، أو لافتة كتب عليها كلمة ألغام، أو عصاتان مربوطتان وتم وضعهما على الأرض، والحيوانات النافقة على أطراف الطرقات، وقد تكون زرعت فيها الألغام ويفضل عدم الاقتراب منها، والحذر من الطرقات التي يكون فيها حفر وجور كثيرة، لأن هناك احتمالاً لتكون مزروعة بأحد أنواع الألغام الوتدي أو الوثابي على سبيل المثال.
وفي هذا الإطار يروي سماح كيف لم يسمح أبو فادي لعائلته بالاقتراب من منزلهم حين عادوا إليه، لأنه شاهد جسماً غريباً من مخلفات الحرب عند باب بيته، فقام بإعلام المعنيين لإزالته، ونبه الجيران، وفي حال لم يتمكن المرء من الاتصال أوضح سماح أن عليه التواصل مع مختار الحي أو رئيس البلدية، أو أي جهة أمنية لإخبار الجهات المختصة.
ولخص الأطرش وداود أشكال الكشف على المخلفات بالكلاب المدربة التي تشم الذخائر، وبالجهات المختصة من خلال جهاز الكشف عن المخلفات، وكاسحة الألغام.

 

اقرأ أيضاً:

جمعية وحيدة لمصابي الألغام في سورية.. ورئيس مجلس الإدارة: 230 عضواً يستفيدون من خدماتها

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
(وثيقة وطن) تكرم الفائزين بجوائز مسابقة "هذه حكايتي" لعام 2024..  د. شعبان: هدفنا الوصول لحكايا الناس وأرشفة القصص بذاكرة تحمل وطناً بأكمله معلا يتفقد أعمال تنفيذ ملعب البانوراما في درعا ويقترح تأجيل الافتتاح بسبب تأثر المواد اللاصقة بالأمطار الوزير الخطيب: القانون رقم 30 يهدف إلى حماية بنية الاتصالات من التعديات الوزير صباغ: إمعان الاحتلال في جرائمه ضد الشعب الفلسطيني يعبر عن سياسات إرهابية متجذرة لديه الجلالي يبحث مع أعضاء المجلس الأعلى للرقابة المالية صعوبات العمل ووضع حد لأي تجاوزات قد تحدث طلاب المعهد الصناعي الأول بدمشق يركّبون منظومة الطاقة الشمسية لمديرية التعليم المهني والتقني أجواء الحسكة.. عجاج فأمطار الأضرار طفيفة والمؤسسات الصحية بجهوزية تامة لمعالجة تداعيات العجاج انطلاق فعاليات أيام الثقافة السورية في حلب بمعرض للكتاب يضم ألف عنوان أين وصلت عمليات الترميم والتأهيل لمتحف معرة النعمان وماذا عن متحف حماة وقلعتها؟ بسبب العاصفة.. أضرار مختلفة في الشبكة الكهربائية باللاذقية