موطنٌ أخير

اللوحة أيضاً تحتاج إلى «وطن» تقيم فيه لتلقى التكريم!
يكاد الفن التشكيلي ينافس فن الشعر والرواية في قوة الحضور، ليس لأن فناناً كنذير نبعة استخدم ذات يوم مصطلح «السّرد» اللَّوني، بل لأن عشرات الفنانين يرسمون بصمت في مراسمهم، وكثير منهم لا يملكون مرسماً مستقلاً عن مساكنهم كحال الحرفي الذي يعمل في السوق، صائغاً أو نساجاً أو عطّاراً، أو خياطاً، لذلك جعلوا المرسم في زاوية من البيت تكتظُّ بأدوات الرسم والتلوين، إلا إذا استقلّ الفنان بمرسم منعزل يغدو كصومعة الصوفي مملوءاً بافتتاحيات شعرية و«تأملات» تحتمل الخيال والشطب والتعديل، وكما في عالم القصّ، يكون عالَم الرسم الذي لم تُحط به حتى النظريات على مدى العصور: كلاسيكي، واقعي، انطباعي، رومانسي، تكعيبي، تجريدي، سريالي، لكن اللوحة المنجزة أيّاً كانت تطلب في النهاية جداراً تستقرُّ عليه، وهنا بيت القصيد! هل كلُّ جدار قابلٌ لتوطين أي لوحة؟ هنا أيضاً تختلف الجدران، مثلها مثلُ اللوحات التي تختلف بأحجامها وموادها وموضوعاتها! المتاحف تتسع لكل اللوحات بلا غضاضة: الكبيرة والمتوسطة والصغيرة ومتناهية الصّغر، البسيطة أمام كل ناظر، والمعقدة التي يفككها الناقد المحترف، الصادمة بتفاصيلها الحسية (حسب القيم السائدة) والعصيّة على الثقافة العادية! وقد تُدهش اللوحةُ ناظرها، لكنه إذا اقتناها لم يجد لها مكاناً في المنزل كتلك التجارب التي تتخطى المألوف: وجه كبير بعينين غير متناظرتين وأنف هو أقرب لجذع شجرة هرمة ونظرة رعب ثابتة وألوان كامدة، فمثل هذه اللوحات جديرٌ بمختبرات الفحص والدراسة لقراءة المرحلة الزمنية وظروف الرسام الشخصية وربما الإيديولوجيا التي يعتنقها!
حين تنزل اللوحة من برجها العاجي أو تخرج من «مصهر» الرسام، ستذهب بحكم المألوف تاريخياً أو وجدانياً إلى موطن ملائم، ففي المطبخ تستقر لوحة «الطبيعة الصامتة» بما فيها من آنية فاكهة برع الرسام في سكب الضوء على أطراف وعائها الزجاجي وحبّات عنقود العنب المقطوف لتوّه من الكرمة أو ثمرة الرّمّان الناضجة التي «فرط» بعضُ ياقوتها، وفي الممرّات المعتمة تُعلّق لوحات الأزهار، وما أكثر الأزهار على كوكب الأرض تلفت نظر كل من أمسك الفرشاة ليرسم، وحتماً سيعبر هذه التجربة مثل المغني الذي يجرب صوته بالدندنة، وتنفرد غرفة النوم، حسب مشاهداتي المتواضعة، بتلك اللوحات التي تُعنى بحواء بمعناها ووجودها الواسع، ولا أقصد هنا اللوحات التجارية الساذجة بل الفن التشكيلي الرفيع، عدا أن غرفة الاستقبال تحظى بلوحاتٍ أخرى مغمورة بالأضواء قد تكون «بورتريهاً» أو «قطافاً» رمزياً لمعرفةٍ ما.
كان الفصل الأول لموطن لوحة الفن التشكيليّ، هو اللوحةَ الجدارية البانورامية وتلك التي تُرسم على حامل خشبي بيد فنان واحد!

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
المقداد: العدوان الإسرائيلي على غزة أسقط شعارات الغرب ومزاعمه وكشف نفاقه وافتقاره للقيم الإنسانية أعمال تنتيج مواد شهادة التعليم الأساسي لا تزال مستمرة والإعلان عن موعد إصدار النتائج قبل 48 ساعة 1200 فيلم وسيناريو تقدّم للمشاركة في مهرجان كوثر الدولي السينمائي في إيران "الزراعة" تناقش الخطة الزراعية المقبلة: وضع رقم إحصائي ومراجعة بروتوكول إنتاج بذار القمح والترقيم الإلكتروني لقطيع الثروة الحيوانية برنامج ماجستير تأهيل وتخصص في التنمية المجتمعية بالتعاون بين الجامعة الافتراضية السورية ومؤسسة التميز التنموية إطلاق أول اجتماع لشرح آليات تنفيذ دليل التنمية الريفية المتكاملة في طرطوس وزارة الداخلية تنفي ما يتم تداوله حول حدوث حالات خطف لأشخاص في محلة الميدان بدمشق على خلفية مشكلة خدمة دفع الفواتير عبر الشركة السورية للمدفوعات.. "العقاري": السبب تقطع في خطوط الاتصال وتم الحل المشهد الأميركي- الانتخابي والسياسي- يتخذ مساراً تصاعدياً بعد محاولة اغتيال ترامب.. لماذا إقحام إيران؟.. بايدن يُمهد لانسحاب تكتيكي ويلمح إلى هاريس كـ«رئيسة رائعة» أول تجربة روسية للتحكم بالمسيرات عبر الأقمار الصناعية