على مقام الزلزال

كل يوم تحديث جديد لهزَّات البدن، تسارع كبير لدرجة لم نعد معها قادرين على مواكبة آخر صرعاتها، حتى إننا لا نملك علم اليقين إن كانت أجسادنا قادرة على تقبُّل تلك التحديثات، فبعد اثنتي عشرة سنة حرب متواصلة من دون أي استراحة، وعدد هائل من الصَّدَمات المادية والمعنوية، وفوقها توتُّرات مديدة ناجمة عن كل شيء، لم ندرك أن هناك ما يمكن أن يُفاجئنا، لكننا خسرنا الرهان، فالحياة مُصِرَّة على جعل أفواهنا مفتوحة لِدهشة الأهوال التي تحل بنا، وتجعلنا يوماً بعد يوم مُتصدِّعين أكثر، وأرواحنا متكسِّرة ومهشّمة.
فبعد مرارات الغياب والجراح المنكوءة باستمرار، ومطاردات لقمة العيش، وتأمين مُجرَّد سقف يؤوينا، يأتينا الزلزال، فحتى الصفائح التكتونية لا تقف في صفِّنا، والجيولوجيا تحارِبنا، وتصفق الأرض صفقاتها الصفيقة لآلامنا الشاسعة، وما أن ينتهي حتى تبدأ الهزَّات الارتدادية ترتد علينا بمزيد من الفواجع والنكبات، لدرجة أن بيوتنا التي كانت ملجأنا الآمن، باتت هي مصدر خوفنا، ولم تكد تلك الارتدادات الزلزالية تخفُت شدّتُها، ونلتقط أنفاسنا لنعرف أين أودت بنا الحياة، من رحَّلت ومن أبقت، من كسرت ومن نَكَبَتْ ومن حوَّلت روحه إلى ما يشبه الأنقاض، حتى جاءت صواريخ العهر الإسرائيلي على المدنيين لتزيدنا زعزعة واضطراباً، وبتنا كمن لا رجاء له؛ لا من الأرض ولا من السماء، فكلُّها ترتعد في وجهنا، وتتسابق في قهرنا والإمعان في تعميق جراحنا، مع إننا بصدق أصبحنا كما قال المتنبي “جَرَحْتِ مُجَرَّحاً لم يَبقَ فيهِ مَكانٌ للسّيُوفِ وَلا السّهَامِ”.
بالمختصر، وعلى ما يبدو، أنه لا هدنة لنا، ولا استراحة محارب، لكن ما دام فينا نبض، سنؤقلمه على الهزَّات والزلازل ولو أتتنا من كل صوب، ولو أدهشت ريختر بيك في حدِّ ذاته، فمثلنا لا يمتلك رفاهية التَّعب ولا الانكسار، وطالما هناك من يمتلك قلباً ينبض معنا، فسنحيا لأجله، ونضبط إيقاعات أرواحنا على مقامات محبَّته حتى النهاية.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار