قراءة في الحكايات والصور.. تبكيك أحياناً وأخرى عن عينيك تكفكف الدمع
تشرين-راوية زاهر:
تخلّوا عن ربطات أعناقهم.. والبعض منهم ترك حزنه وراءه لحزن أوسع وأكبر.. تخلّوا عن كل (برستيج)، وكأي سوري محروق القلب انخرط كلّ من باسم ياخور وفادي صبيح مع “شيالة” المؤن وترتيبها وشحنها في سيارت النقل لمن كان ضحية كارثة الزلزال..
كما لم يتوقف هذا الطبيب ولا ذاك عن عرض خدماتهم وفتح عياداتهم بالمجان أمام من نُكب بالزلزال.. “تواصلوا واتصلوا على الأرقام” أتخمت الشّاشات ومواقع التواصل بأرقام الصّيادلة والمعلمين والمتبرعين وآليات النقل، ليوقفنا الزمن أمام نسيج بشري تعجز كل سيميائيات الوجود عن وصف إنسانيته، رغم احتضار آمالهم وأمانيهم التي باتت ميتة وليست مؤجلة.
من هنا مرّت النوائب، ومن هنا مرّ مَن بلسم الجراح، من هنا مرّ الحزن، ومن هنا مرّ من كفكف الدمع..
كيف ننسى عيني طفلٍ رضيع أنقذته أيدي إخوته بعد مئة وثمانٍ وعشرين ساعة من موت متردد تحت الركام، ليبصر النور وعيناه تختصر وجعَ وطن بأكمله، ومن ثمّ لتتناسل من جفنيه أهزوجة تقول نحن هنا رغم الموت، رغم كل هذا الفقد والدمار..
ويستوقفني قول شاعر برمج الحكاية قصيدة:
وأوجعُ ما يُقالُ نجا فلانٌ
ومن معه قضوا تحت الركامِ
و أمٌّ خلفها أبقت وليداً
و بنتاً لم تصل سنَّ الفطامِ
هذه هي حالك يا بلادي ولكننا خُلقنا من رحم الأرض مدججين بالصّبر، وبعون قلوبٍ أزاحت عن الروح غبار التعب، وبأياديها البيضاء عادت لترسم بسمة أمل.
كيف لنا أن ننسى مشاهد إخوة رفعوا الأنقاض وغبار الطبيعة عن كاهل إخوتهم أردى الزلزال من أرداه وكتب الله عمراً لمن كتب، وهم عينهم الذين رفعوا أنقاض الحصار الذي حاول أن يُردي شعباً بأكمله.. كيف لقلوبنا ألّا تنبض أمام مشاهد مطاراتنا تقلع والقلب جزائري، تهبط والروح عراقية، لتزيح مهبطاً لإمارات الشموخ، وطهران التي تعرف ما معنى وجع الطبيعة، وذاك لبنان ربيب البيت حبيب القلب، وغيرهم من أشقاء وأصدقاء لا نعرف لهم حتى على الخريطة عنواناً.
طوبى لك يا بلادي الجريحة
وسلامٌ على الصّامدين تحت الركام
من خُرم الحجر أنفاسها تستقدم..
سلامٌ على المنتظرين فوق الردم
أحياءً بوجه الحياة وقدرة الخالق تستبشر
سلام على الساهرين،العاملين،
الشاخصة أبصارهم بين الأنقاض،
يقيسون الأنفاس بالرعشة،
ونبضات القلوب برنة المطرقة وطرقة المعول،
سلامٌ على المرابطين خلف سياج البرد،
يحملون الدفء والحبّ، وبقوة الرحم تستجدي
سلامٌ لمن تعالى على الجراح ونادى لرفع الحصار عن شعبٍ مثقل
يُرمى بماءٍ يغلي كالمهلِ
سلام على من
تحدّى عدواً قلبُه قُدّ من صخر..
سرق الحياة ولا ذرة خير من نفسه تستجلي،
سلامٌ على من كان أميناً، صادقاً، وفي عينيه تناهى حجم المال، وعن كنوز الكون نفسه تستعلي..
سلامٌ على من جعل الحبّ مرسالاً في عالم صار الكره فوق زبد الموت مستعلياً.
سلامي لأخوانٍ أعانوا بلاداً أضناها البرد والزلزال
وقبلها كان وجع الروح والضيم فوق ثراها يستشري.