تنشط الوزارات والجهات العامة التابعة لها كالعادة في مثل هذه الأيام ببث أخبارها عن حصاد العام، فتبين فيها منجزاتها وتصدر أرقاماً عن تحسن الأداء والمشروعات الجديدة وأولها إصلاح خطوط إنتاج كانت معطلة أو مدمرة بخبرات وطنية..!
في الشأن الاقتصادي فإن حصاد الوزارات المعنية بهذا الموضوع لا يحتاج إلى الكثير من الكلام والتفنن بلغة الأرقام، لأن الأسواق طوال العام بقيت في اتجاه تصاعدي لأسعار موادها المنتجة محلياً قبل المستوردة، لاسيما خلال الشهرين الماضيين بعد أزمة المحروقات ورفع أسعارها.
وكانت وزارات التجارة الداخلية وحماية المستهلك والكهرباء والنفط والزراعة طوال العام الأكثر تعرضاً للنقد من وسائل الإعلام والمواطنين، لما لها من علاقة مباشرة مع شريحة واسعة من طرفي السوق منتجين ومستهلكين، مع وجود الكثير من شكاوى التقصير تجاه باقي الجهات العامة التي من المفترض أنها تشكل فريقاً واحداً غايتها تأمين كل الاحتياجات والخدمات في الوقت والسعر المناسبين.
لكن ما يلفت في نهاية العام هو تقرير وزارة الصناعة عن منجزاتها وهي أهم الغائبين عن اقتصادنا باستثناء المؤسسة العامة للتبغ التي لم يُعرف حتى الآن السعر الرسمي لمنتجاتها، وشركات المياه التي أصبحت منتجاتها آخر ما يفكر فيه ذوو الدخل المحدود، وشركة الكابلات التي توصف بأنها أفضل شركات القطاع العام.
تتبع لوزارة الصناعة عشرات الشركات وتمتلك أصولاً ثابتة ومساحات عقارية هائلة إلا أننا إذا استثنينا الناجحة منها والتي ذكرناها أعلاه، سنجد أن مساهمتها في الأسواق كانت لا تذكر أو شبه معدومة، بدليل غياب منتجاتها وندرتها وعدم إحداثها أي تأثير يذكر على القطاعات التي تعمل ضمنها.
أين هي منتجات شركات الألبان والكونسروة والمعكرونة والصناعات الكيميائية .. في ظل سيطرة واضحة للقطاع الخاص؟ سيأتينا الجواب إن غيابها بسبب الأزمة والعقوبات وما دمره الإرهاب…!!
هذا العام عانى مختلف المزارعين من عدم قدرتهم على تصريف منتجاتهم وتكبدوا خسائر فادحة في الخضروات والتفاح والبصل والثوم وحتى زيت الزيتون والذرة وربما الحمضيات بسبب فائض الإنتاج وتحكم التجار بحلقات التسويق، في وقت كانت تعاني فيه الشركات المعنية من استجرار مثل هذه الفوائض لتصنيعها من شلل شبه تام سواء في عدم صلاحية خطوط إنتاجها أو عدم توفر الطاقة اللازمة لدوران عجلات الإنتاج، وفي نفس الوقت تعمل شركات القطاع الخاص المشابهة في النشاط وتحقق الأرباح وتسيطر على السوق إنتاجاً وتسعيراً…!
لماذا لا يتم إنتاج المنظفات والاستفادة من صالات القطاع العام في بيعها دوكما للمستهلك على اعتبار أن مواد التعبئة والتغليف تشكل نسبة كبيرة من تكاليف هذه المواد، وتالياً ستنكسر الأسعار ويحقق القطاع العام بعض الأرباح؟!
لماذا لا تُستغل إمكانيات الشركات العامة في تعبئة وتغليف النباتات العطرية والطبية والتوابل لتصديرها أو تلبية احتياجات السوق المحلية؟
إن الركون لمفاعيل الأزمة والحصار لن يمكّننا من تجاوز أي عقبة وسيدفع ثمنها الجميع اقتصاداً ومواطنين وشركات عامة، ما نحتاجه قبل كل شيء هو إرادة العمل وروح الإبداع والتخطيط المتكامل، وحسن استثمار الموارد المتاحة، لأن اعتماد مناهج مواجهة الأزمات المتعارف عليها اقتصادياً وأكاديمياً وتاريخياً لن يفلح في استقرار اقتصادنا، فأزماتنا معقدة لم يسبق لأي كيان أن تعرض لها سابقاً .
وكلّ عام وأنتم بخير .