في سابعتها الشعريّة ريما خضر تقرأ الفرحَ في زحمة الحرب
تشرين-رفاه حبيب:
«لو قرأتم الفرح» ديوان شعر للشاعرة ريما خضر ابنة حمص العدية، وعضو اتحاد الكتّاب العرب، ولها ستة دواوين شعرية ومجموعة مقالات وقصائد في دوريات عربية مختلفة.
تكتب ريما خضر بأصابع روحها، ولا تعنيها أصابع الجسد كما تقول. وفي ديوانها «لو قرأتم الفرح» الصادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب.. بدأت الشاعرة مجموعتها الشعرية بتقسيمات ثلاثة توثِّق عمق الجمال، بلغة قريبة من الوجدان، وكلمات نابعة من عمق الإحساس، والشعور الإنساني غير المتناهي.. فهي امرأة كل الاحتمالات، هي الشاعرة التي هندست حروفها بكل إتقان، لتجعل من القصيدة بساط عشب يغزوه الأقحوان.
وإذا ما دخلنا معها من نافذة الحب الأولى سنقرأ، وربما سنغرق معها في جدول عذب من الحبّ الخالص، وربما لامناص من العوم فيه، وربما الغرق إلى ما لانهاية حتى يعتدل قارب الشعر مع بحر الفراهيدي..
«عندما سأنجو من الحب
سأعود أغرقُ في بحر أكبر
فهذا القلب عنيدٌ جداً
وأنا نسيت كيف أتوب
غرَقَت في دموعه قصائدي
فلا زورق لغوي ينفع
ولا طوق الدؤلي ينفع
وحده قلبه
ابتلع بحر الشعر
فنجونا..»
هنا ثمة انسكابٌ جميل وخلط موفق، يسطّر الحب بحبر الوجع، فالحرب اللعينة التي عاشت الشاعرة مخاضها ككل السوريين، تركت في نفسها جرحاً عميقاً، فراحت تكتب بأصابع من ألم وأمل حروف النجاة.. فيه صباحات لا هدوء فيها ولا غيوم، إنها الصباحات الضائعة والفاقدة عناوينها، والخارجة من أزمنتها من دون مطر ومن دون رياح:
«هذا الصباح غائمٌ بالفرح
كأنه غائم بالحزن
أيضاً فائضٌ بالغياب
ومبللٌ بالرحيل
كأنه أضاع ملامحه
في وجه الليل..»
أما في القسم الثاني من المجموعة والذي تعنونه بـ«قامة الضوء» فتتحدث الشاعرة عن تلك النجوم التي أضاءت سماء بلادي ولاتزال، وعن عمق الوجع لحظة الفقد ولوعة الغياب التي تجسدت بالشهادة.. عن العقم الروحي الذي عانى منه كل من تجرع ويلات الحرب البغيضة؟ عن العماء المقيت الذي أحالنا تائهين، بلا عناوين، إذ أمسينا هوامش على أطراف الذاكرة.. هنا تكتب ريما خضر من الألم أجمل الصور وأبهاها في عمقٍ محبب للمعنى الذي يزيد النصوص جمالاً.. هنا حيث كل الأشياء ناقصة تشتهي إتمامها واكتمالها، ولكنه الحزن، الشتاء، الليل الطويل.. كلها حواجز منيعة في وجه الفرح، وقد أمست الأرض حبلى بشقائق النعمان:
«كاد أن يبدأ الشتاء
والغيمة ستلد المطر
كاد أن يبدأ الحب
ولكن؟!
القصيدة عذراء
كاد أن ينتهي الحزن
عندما بدأ الحلم
ولكن الليل عقيم الفرح
«…»
أيها الراقدون
نجوماً في سماء الوطن
لم نعد نختلف على حصة الدماء
فالأرض حبلى بشقائق النعمان..»
وفي الجزء الثالث والأخير من المجموعة الشعرية تفتح «(نوافذ للحرب» وتواصل الشاعرة سكب عواطفها، وانغماسها في لجّة الصراع ما بين حب تشعل جذوته الأشواق، وما بين فراق ولوعة ونحيب على تداعيات الحرب وقسوتها، لكن الأمل يبقى مزروعاً في الأرواح التي لا تعرف اليأس، ورغم الأسى سيبزغ فجر جديد، هو فجر الحب لامحالة.. وبتقديري أن التبويب هنا لا يعدو أكثر من حالات مجازية، لأن النصوص في الأجزاء، أو الأبواب الثلاثة تنهل من قاموس واحد، ومن مشاهد مخبوءة واحدة تُقدمُ كل هذا الدفق العاطفي الذي يتلون بين حب مُشتهى كحلم، وقد خلخلت بنيانه حربٌ أخرجته من ياسمينه والحبق والورد الجوري إلى أحمرٍ قانٍ يأتي على شكل شقائق النعمان المفعمة بالحزن والفقد والوحشة..
تقول في آخر قصائدها :
«أنا في كل نوم
أكسر عتبات الحلم لأراك
ومازلتَ ياقلب تسألني
ماذا أفعل.؟
أنا مازلتُ أمارس عادة الانتظار
وهذا الصباح
مثقلٌ بالحزن
غائم الفرح
تلوح في أفقه
أسراب الدموع
«…»
كعادتها مآذن الجوامع
ترفع الصلاة
خمس مراتٍ..
وكعادتها مآقي الأمهات
تردّد:
«ولاتحسبن الذين قتلوا»
في كلّ الأوقات..»