قرّر صديقي أبو منصورأن يذهب مع مجموعة من زملاء العمل لمتابعة مباراة فريقه في أحد المقاهي الواقعة ضمن دمشق القديمة، وقضى اليوم من بدايته وهو يناكد رفاقه من مشجعي الفريق الخصم بأنه واثق من الانتصار، وبأنه لا راية تعلو على راية فريقه، وهكذا.
اجتمع الزملاء في ساحة باب توما، وما هي إلا دقائق حتى احتلوا طاولةً تتسع لخمسة عشر شخصاً، أمام إحدى الشاشات العملاقة التي ستبث المباراة المأمولة، وصل عامل المقهى وأخذ طلباتهم، وكنوع من التغيير، وليبقى يوماً في الذاكرة، طلب كل منهم كأس عصير طازج، وعلبة بوشار مُنَكَّه، ومع بداية الشوط الأول، بدأ الحماس يزداد، فهذا يُناكف ذاك، والثاني ينصح زميله بأن ينتقل لتشجيع فريقه، والثالث يملأ المقهى صخباً وصراخاً كلما اقترب من يناصرهم من منطقة جزاء الخصم، وهكذا في أجواء من المرح اللذيذ، حتى إن«أبو منصور» ذاته كان لشدّة حماسه وتأييده لفريقه يقفز على الكرسي مع كل فرصة ضائعة، ويشتم الحكم لقراراته التي يصفها بالمتحيزة، كما أنه في أكثر من مرّة انتقد تقنية الـ«فار» واصفاً إياها بالمهزلة، بعدما ألغت هدفين محققين لفريقه.
وبعد أن امتلأت أجسام الزملاء بالأدرينالين، وعيونهم بالمتعة، وبطونهم بالبوشار والعصير، وبعد النصر المؤزر الذي حصل عليه الفريق الذي يشجعه «أبو منصور»، بدأ يناكف زملاءه من الخصوم بالقول «لا فريق يؤيّدُه «أبو منصور» إلا وسيكون منصوراً»، وظلت الأجواء ممتازة، إلى أن وصلت فاتورة الحساب، ليتفاجأ الجميع بأن كأس العصير بثمانية عشر ألف ليرة، وأن كيس البوشار بخمسة عشر ألفاً، أي إن كلاً منهم سيدفع 33 ألفاً، وليرة تنطح ليرة، بما يعادل خُمس مرتَّبهم.. في تلك اللحظة انطفأ الحماس، أو كما يُقال «راحت السَّكْرة وإجت الفكرة»، وترك صاحبنا «أبو منصور» تحليلاته الرياضية، وبدأ البحث عن المعادلة التي جعلت من «كمشة» صغيرة من الذرة مع قليل من زيت القلي ورشَّتَي ملح تساوي 15 ألفاً، وكي لا يدخل في دهاليز حسابات كأس العصير وكمية الثلج فيه التي تفوق النصف، ابتلع خيبته وفعل زملاؤه مثله، وساروا إلى منازلهم صامتين.
بديع صنيج
26 المشاركات
قد يعجبك ايضا