القارئ عبد الباسط عبد الصمد الذي منحته سورية وسام الاستحقاق
تشرين_ سامر الشغري:
في ظل ما يدور حولنا من ظروف وأزمات، من الطبيعي أن تمر من دون اهتمام ذكرى وفاة أحد القلائل الذين ارتقوا بقراءة القرآن إلى مصاف مختلف فئات الناس وانتماءاتهم، وحقق عندهم أقصى درجات الجماهيرية، صاحب الحنجرة الذهبية القارئ عبد الباسط عبد الصمد.
ورغم أن عتاولة تلاوة القرآن و”سميعته” الكبار لا يؤمنون كثيرا بموهبة عبد الباسط، ويفضلون عليه المنشاوي الأب والابن ومحمد رفعت ومصطفى إسماعيل، إلا أن عبد الباسط فاقهم مراحل بشعبيته، فقد أغرق باستخدام الموسيقا في التلاوة، وذهب إلى المقامات الأكثر شجوا وتطريبا والانتقال بينها، ولو على حساب أحكام التجويد ومخارج الحروف، ولكن من دون أن تؤثر هذه الأخطاء في جماهيريته، وغدا رمزا عند الناس في مجال التلاوة، وكثر مقلدوه من العرب والأجانب، ويكفي أن نقول إن أديبا مثل الراحل محمد الماغوط كان دائم الاستماع له.
ولكن ليست الموسيقا والتنويع في المقامات وحدهما كانا وراء النجاح الهائل لعبد الباسط، فصوته انتمى إلى طبقة “التينور”، ما مكنه بسهولة من أداء الطبقات العالية، ومن خلال التدريب امتلك تقنية النفس الطويل في القراءة التي سحرت الجمهور، فضلا عن حسه الدرامي التمثيلي للتعبير عن مضمون الآيات بصوته، لذلك اختاره المخرج الراحل مصطفى العقاد ليؤدي صوت المؤذن “بلال” في فيلم “الرسالة”.
وكانت سورية أول بلد عربي احتضن عبد الباسط بعد مصر، فزارها وهو شاب سنة 1956 للتلاوة في المسجدين الأمويين بدمشق وحلب، فأخذ بألباب الناس الذبن زحفوا بالآلاف للاستماع لتلاوة هذا القارئ الخلابة، وتحدثت عنه الصحف والمجلات الثقافية، حتى منحته الحكومة السورية أول تكريم يناله في حياته، من خلال وسام الاستحقاق قدمه له وقتها رئيس الوزراء حينها صبري العسلي.
خلال زيارة عبد الباسط الأولى إلى دمشق تلا في الجامع الأموي قصار السور، ولاتزال تلك التلاوة من أكثر تلاواته شعبية عند المستمعين، لقد تماهى مع روحانية المكان ورائحة التاريخ ومراقد الأنبياء والأئمة والجو الصوفي، فحلق وأبدع، وأظهر قدرات غير مسبوقة في النفس الطويل، وحلق مع مقامات شجية من السيكا والحجاز والرصد، موظفا بكثير من النجاح حروف نهايات الآيات ذات الجرس الموسيقي كالهاء والألف والتاء، وعندما سجلت هذه التلاوة على أشرطة “كاسيت” حظيت بمبيعات عالية، واستخدم الفنان القدير دريد لحام مقطعا منها في ختام مسرحية “كاسك يا وطن”.
عبد الباسط، الذي رحل عن عالمنا في 30 تشرين الثاني سنة 1988، لايزال حتى اليوم ظاهرة عصية على التكرار لمن سبقه ومن جاء بعده، وكان عشق الناس لصوته على امتداد أقطار العالم الإسلامي من الشرق الآسيوي حتى المغرب العربي، أقوى دفاع بوجه ما طال تجربته من انتقادات.