“المياه العذبة”.. طفرة مثيرة في الرواية النيجيرية

تشرين_ حنان علي:
“كيف تنجو إن سكنت آلهة جسدك؟” سؤال مثير للدهشة يُشرق بظهور رائع للكاتبة النيجيرية أكواكي إميزي، ينبض في كل مرحلة من الرحلات الشاقة المضيئة لبطلات ذواتها المتجذرة في علم الكونيات الخاص بالإيغبو، ثاني أكبر القبائل التي تعيش في جنوب نيجيريا .
“آدا” الطفلة الثانية لطبيبٍ نيجيري  يدعى شاول وزوجته الماليزية الممرضة ساتشي.. الأم التي غادرت للعمل في الخارج، في المملكة العربية السعودية ومن بعدها إلى المملكة المتحدة، وعلى الرغم من مواظبتها على زيارة عائلتها في نيجيريا مرة أو مرتين في السنة، إلا أنها لن تعيش مرة أخرى في المنزل الذي شاركت ببنائه مع زوجها المتعجرف نافد الصبر .
في السادسة عشرة من عمرها، غادرت آدا نيجيريا إلى الولايات المتحدة، حيث أمضت سنوات مضطربة أثناء دراستها الجامعية في فيرجينيا. فكرة بل لنقل لعنة  طرقت رأسها طوال الوقت، وهي اعتقادها بأنها “أوغبانجي”، أي روح لطفل يولد مرارًا وتكرارًا لنفس الوالدين، معذباً إياهما بالعديد من التناسخات. عادة؛ لا يكتب لأطفال الأوغبانجي الحياة، إلا أن آدا صمدت حتى مرحلة البلوغ مكافحة جاذبية إبادة الذات.
في فيرجينيا، تلتقي آدا مع مالينا، فتاة من الدومينيكان تدرك صراعاتها الداخلية كأزمة هوية نفسية اجتماعية. ما يعطي ذوات آدا بعض الراحة، لأن “أسوأ جزء من تجسيد الذوات عدم رؤيته”. أترعت حياة آدا بعلاقات مهمة وعابرة، بما في ذلك الزواج قصير الأمد، في حين كانت أكثر العلاقات كثافة وتأثيرًا، معايشة ذواتها المتعددة، كاشفة النقاب عن النثر السريالي لإميزي أثناء التمثيل الدرامي الخيالي.
تبدأ الرواية بصوت جماعي من منظور ضمير المتكلم: “نحن نقدم آدا ونرسم مسار حياتها، نحن صوت كل الشخصيات التي تتكون منها آدا”.
صوت شاعريٌّ، وغالبًا ما يكون تعويذيًا ذا لهجة أسطورية، مطمئناً رغم تمزق عائلة آدا. أما التغيير فيحدث حين تتولى السرد “أسوغارا”، إحدى ذوات آدا، بصوت نيجيري عامي حميم، مبهج ومميز .
بالرغم من أنها كانت جزءًا من آدا طوال الوقت ، إلا أن أسوغارا نعمت بحيازة الجسد البشري، تواقة للتجربة الحسية بقوة وحشية لا تشوبها مخاوف بشأن العواقب العاطفية، لتعيث فساداً في حياة ساكنتها، لكن آدا المحبطة رأت أن الوقت قد حان لمغادرة أسوغارا. بحلول هذا الوقت، أدركت نفسًا ذكورية لطيفة في “غرفة الرخام داخل عقلها”، أطلقت عليها اسم القديس فنسنت. في أكثر الفصول روعة، تواجه آدا أسوغارا، عازمة على التخلص منها. لكن شعور الخيانة، الذي اعترى الثانية دفعها إلى محاولة قتل آدا، فتدخل القديس فنسنت قائلاً : “أسوغارا تحبك”. هذا ما بدا جلياً بعد سنوات حين قامت أسوغارا، بعد سبل من إيذاء الذات، بدفع آدا إلى الانتحار في محاولة لإنقاذها والتخفيف من آلامها النفسية.
في رواية واحدة تحدثت أكواكي إميزي عن توحيد وفصل الأجساد والأرواح، عن القوى الحقيقية أو المتوَهمة للآلهة والبشر . عن الرحلة الطويلة والشاقة للمطالبة بالعديد من ذواتنا، أو عن السعي الحثيث لتحرير ذواتنا الأسيرة.
“إنها بدينة ذات شعر أسود كثيف مبلل، أما نحن فأطفال عميان وجائعون، نتشبث بجسدها متتبعين خطاها عبر الجداول صوب البوابات المفتوحة.. لطالما أثرنا الاعتقاد بأن الآلهة تتقصد إهمالنا، لكن أياً كان ما نفكر فيه، ما برحنا بالنسبة لها: مجرد أطفال”.
أكواكي إميزي كاتبة نيجيرية حازت روايتها “المياه العذبة” جائزة إيلوب نومو، كما رشحت للعديد من الجوائز العالمية.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
اقتراح تعديلات على قانون التجارة خلال ثالث حوارات قطاع الأعمال بحمص ركزوا على استبدال عقوبة الحبس.. تجار دمشق وريفها يقدمون مقترحاتهم لتغيير قانون حماية المستهلك "صفحات منسية من تاريخ المسرح السوري".. محاضرة للناقد والكاتب المسرحي جوان جان خان الكتان الأثري يحتضن مهرجان "ليلك" ليضيء على إبداعات المرأة الحلبية وقدرتها على التغيير مهرجان حلب المسرحي يدشن  انطلاقته بعمل "عويل الزمن المهزوم" على خشبة مسرح دار الكتب الوطنية عدوان إسرائيلي يستهدف موقعين بريف حمص الرئيس الأسد يصدر قانوناً بإحداث صندوق مشترك للقضاة.. وقانوناً بصندوق مشترك وبدل مرافعات لمحاميّ الدولة وزير الأشغال العامة والإسكان: نسعى نحو تلبية التطلعات المجتمعية العمرانية وزير التربية: القانون رقم 31 جاء ليواكب التطورات والتغيرات في المجال ‏التربوي والتعليمي ‏ إصدار قانون الضريبة الموحد وتنظيم جباية الضرائب واعتماد الأتمتة مقترحات جلسة الحوار التمويني بدرعا