“ليلة سوداء” كشفت الواقع على خشبة المسرح في دار الأسد للثقافة باللاذقية
اللاذقية – باسمة اسماعيل:
” ليلة سوداء” تتكشف فيها كل الحقائق والأمور ، التي تحدث بالعتمة من قبل الشخصيات ويعريها النور، في هذه الليلة تظهر المشكلات الاجتماعية والهموم التي فرضتها الحرب، بل مشكلات كانت مخبأة بالظلمة لعقود ، طفت على السطح وكشفها وعراها النور.
و”ليلة سوداء” مسرحية مأخوذة عن نص إنكليزي للمؤلف بيتر شافر بعنوان “الكوميديا السوداء” تحكي عن انكلترا أيام الحصار الألماني في الحرب العالمية الثانية، بيأها المخرج سلمان شريبة بإعداده لنص يناسب البيئة السورية، التي تعاني من حالة حصار وعدو من كل دول العالم تقريباً، نص سوري بامتياز يعالج همومنا ومشكلاتنا بطريقة شعبية جميلة ارتكز فيها على البساطة والعفوية، حيث كل الشخصيات تعيش بيننا، ( التاجر ، الفنان، الجنرال، العامل، بائع التحف، الجارة الطيبة، الفتاة الساعية للزواج، الفتاة المهاجرة..)، حاك خيوط الحوار بينها بطريقة سلسة، تفاعل معها الجمهور على خشبة المسرح في دار الأسد للثقافة باللاذقية، بشكل كبير بمجيئه ومتابعتها خلال أيام عروضها الخمسة رغم وجود مباريات كأس العالم وصعوبة المواصلات.
اعتمد سلمان على فكرة ورمزية ودلالة الظلمة والنور بطرحه للمشكلات الاجتماعية والخدمية، فالظلمة (العتمة) هي ظلمة الفكر والنور (الكهرباء)، نور المعرفة التي تكشف حقيقة وخفايا ما يحاك في العتمة من أمور، فكل الأحداث تتم في الظلام، وعندما تأتي الكهرباء تنكشف شخصيات المسرحية على حقيقتها؛ ويعري نفاقها وكذبها وفسادها مع مجيء صاحب رأس المال التاجر المنتظر من قبل الفنان “فريد” لشراء لوحاته الفنية، الكل نسي مشكلاته فيما بينهم وركضوا وراءه على حساب المعطيات السيئة، التي كشفوها عن بعضهم البعض، فالجنرال تغاضى عن مساؤى خطيب ابنته “كارول” الساعية للزواج، رغم معرفتها بعلاقات خطيبها الفنان فريد المتعددة، التي أسفر عنها عودة إحدى غرامياته المهاجرة “ليليان” لأنها حامل، والقابل لفكرة خطيبته بسرقة بعض أثاث صديقه وجاره “عامر ” بائع الأنتيكا والتحف، العارف بكل علاقاته، ويخبئها عن الفتيات اللاتي يلتقي بعضهن عند صديقه، ليظهر الفنان أمام والد خطيبته وتاجر اللوحات بشكل اجتماعي لائق، دارت القصة كلها في بيت الفنان التشكيلي، وكشفت عملية البحث عن حل لإنارة البيت ريثما تأتي الكهرباء، خبايا الشخصيات ونفاقها وفسادها، الكل يتحدث ولا يرى الآخر، تطرح خطيبة الفنان بأن يشربوا مشروباً ريثما يأتي التاجر ويلتقوا به، وعسى يجد الفنان حلا للتستر عن سرقته بعض أثاث صديقه الذي كشفها ولإنارة البيت، وبوح الإنسانة الطيوبة الجارة “فريال” عن مكنوناتها الداخلية وأوجاعها عندما شربت لتكشف أنها بطفولتها معتدى عليها، لذا تخاف من العتمة وأن يأتي أحد ويعتدي عليها، وعامل صيانة الكهرباء (طنظو) الذي ظنه الجميع بأنه التاجر بحديثه عن اللوحات وجمالها، وعند مجيء الكهرباء تنكشف كل الحقائق، لكن لم تدم طويلاً ردات الفعل تجاه بعضهم لأنهم نسوا جميعاً مساوئهم ونفاقهم وفسادهم بمجيء التاجر وركضهم إليه. ويختم المخرج مسرحيته هنا، كإشارة منه إلى متى سننتظر المخلص الخارجي، أليس الأجدر أن يكون المخلص ذاتيا والاعتماد على قدراتنا وإمكانياتنا، فلو وجهت هذه القدرات بشكل سليم لما احتجنا إلى أحد.
شغل العرض بطريقة فنية سلسة قريبة من الجمهور بعفويته وبساطته بالحوار وبعمق الأفكار المطروحة، عمل فني متكامل بالطرح وأداء الممثلين (سوسن عطاف- قيس زريقة- مصطفى جانودي- غربا مريشة- علي يونس- دينا العش- بسام سلكان)، والديكور الذي صممه الفنان التشكيلي حسن الحلبي ناسب الفكرة بوجود اللوحات الفنية والمنحوتات وديكور أثاث المنزل، وسنوغرافيا العمل عمل القائمون عليها بطريقة ملائمة للعرض ما بين الظل والنور، إضاءة وموسيقا ومؤثرات صوتية وموسيقية وإكسسوارات وملابس.. العرض عرى الواقع بشخوصه ومؤسساته، وأشار بشكل غير مباشر إلى أنه يجب ألا نختبئ وراء إصبعنا والخطأ خطأ ولا يصح إلا الصحيح (فثوب العيرة ما بدفي، وما بحك جلدك إلا ظفرك.).
وعلى هامش المسرحية قال المخرج سلمان شريبة ل “تشرين”” العرض يحكي عن مشكلات اجتماعية بشكل غير مباشر، قدمتها بشكل عفوي وبسيط، فالمسرح الشعبي يعبر عما يلامس أكبر شريحة من المجتمع وهمومها، وبقدر ما نستطيع أن نصل إلى هذه الشرائح بقدر ما نكون حققنا الهدف المنشود من المسرح، لأننا بأمس الحاجة أن نعيد الجمهور إلى المسرح، والعرض الذي لا يذهب مع المتفرج إلى المنزل ليس عرضاً مسرحياُ. وأشكر جهمور اللاذقية لمجيئه في ظل هذه الظروف ومباريات كأس العالم، فهذه خطوة رائعة، حيث لم يتوان عن الحضور والتشجيع.