لم تمنعه موجات الغلاء المتلاحقة من مد الأسواق “الملتهبة” بمنتجات أرضه رغم الخسائر والنكبات في مختلف المواسم، حيث أصرّ الفلاح على زراعتها ورفض هجرها تحت تأثير الحرب الظالمة والحصار الجائر وسوء الإدارة، كما فعل غيره من أصحاب رأس المال الجبان، فهو لا يستطيع حمل أرضه وأخذها معه وإنما كان بمقدوره بيعها وتشميع الخيط أيضاً، لكنه بقي يزرع وينتج حتى مع تكاليف الزراعة المرهقة، وخاصة بعد رفع الدعم التدريجي وتركه تحت رحمة تجار ينجحون في كل مرة بسرقة ثمار تعبه.
الفلاح الذي يعد أحد أسباب عزّنا الاقتصادي، تلقى صدمات سحب الدعم عنه من “تم ساكت” وسط محاولاته تدبير شؤونه لمواصلة زراعة أرضه بمنتجات نحتاجها في الأكل والتصنيع، لجهة عدم منحه مخصصاته من المحروقات واضطراره إلى شرائها من السوق السوداء بأسعار كاوية، وانقطاع الكهرباء المتواصل بينما تُمد المنشآت السياحية بها بسخاء، لتأتيه الضربة القاضية برفع أسعار الأسمدة أضعافاً مع إنه لم يمض وقت طويل على آخر زيادة لهذا المنتج الأساسي للقطاع الزراعي، وغير متواجد بكميات كافية إلّا في “السوداء” كالعادة، فهل يعقل إصدار قرار كهذا من دون دراسة آثاره على القطاع الزراعي وخاصة المحاصيل الإستراتيجية كالقمح، وعلى رفع سعر المنتجات الزراعية؟ والأهم كيف سيقدر القطاع الزراعي على مقاومة هذه الظروف وينجح أهله في تحقيق إستراتيجية الاكتفاء الذاتي، المرفوع شعاره حالياً بعد تطويق الحصار عليه من كافة الجوانب ورفع الدعم عنه، مع إنه يفترض توجيه كل الإمكانات لتعزيز إمكاناته ومنحه التسهيلات المطلوبة بما يضمن زراعة كل شبر أرض ومنع هدر المال العام بتوسيع دائرة المستوردات التي تزيد ضعفنا الاقتصادي والمعيشي!
رفع سعر الأسمدة، الذي سيترك بصماته السلبية على الجميع باستثناء بعض المستوردين والمنتفعين، يستند إلى العقلية ذاتها التي تفضل الجباية على الإنتاج، وبالتالي من باب أولى تخفيض كتلة الأموال المخصصة للمستوردات وتوجيهها نحو دعم القطاع الزراعي والصناعي، القادرين على رفع كفاءة اقتصادنا وتقوية منافسة منتجاته بوجه المستوردات والمهربات، أما الاستمرار في إفادة اقتصاديات دول أخرى على حساب الاقتصاد المحلي عبر دعم المستوردات فلن يزيد الوضع إلّا سوءاً، حيث يمكن تخصيص كتلة الأموال الضخمة الموجهة لاستيراد الأسمدة نحو توفير البدائل المحلية أو أقله تأمين حاجة معمل الأسمدة من الغاز وتشغيله بطاقات أكبر، ما يسهم في تخفيض التكلفة على الخزينة والفلاح والمواطن بدل إفادة قلة من المستوردين الذين يحققون مكاسب خيالية بالتعاون مع شركائهم الفاسدين، وإلّا لماذا تُفقد الأسمدة فجأة من مخازن الدولة وتتوافر بكثرة في السوق السوداء الناهبة للخزينة وأرزاق الفلاحين.