الأوبرا تزفّ ضمن حفلها العنصر الخامس على لائحة التراث الإنساني “لليونيسكو”
تشرين_ لمى بدران:
إنّه الملف السوري – الإيراني المشترك، “صناعة العود والعزف عليه”، الذي أُدرِج بعد جهود حثيثة دامت نحو أربع سنوات من قبل وزارة الثقافة بالتعاون مع الأمانة السورية للتنمية ضمن لائحة التراث الإنساني” لليونيسكو”، وأمسى في يوم مشهود فخراً كبيراً وإنجازاً مميزاً احتفت به دار الأوبرا السورية بحضور وزيرة الثقافة الدكتورة لبانة مشوح التي باركت لسورية وإيران هذا الخبر وصرّحت بعدها: عندما نقول إن هذا العنصر أصبح مسجلاً على قائمة التراث الإنساني.. هذا يعني أننا يمكن أن نعده جزءاً من تراثنا الوطني، الذي يجب علينا صونه وحمايته وضمان استدامته، كما يمكن استخدام هذا العنصر في السياحة والتنمية المجتمعية، وبالتالي هناك فوائد جمّة من هذا الإنجاز .
وفي ردّ منها على سؤال “تشرين ” حول الانعكاس المبدئي لهذا الإدراج، أكّدت أنه سيعزز الاهتمام بتراثنا الثقافي لكون في سورية لا يُصنع العود في مدينة واحدة دون أخرى، وصحيح أن دمشق وحلب اشتهرتا أكثر من غيرهما بصناعته، لكن أيضاً هناك السويداء ودرعا بالدرجة الثانية، إذاً يجب استدامة هذه الصناعة. وأكملت: ومن جهة ثانية هذه الحرفة بحد ذاتها تشكّل عنصر عمل وعنصر نشاط اقتصادي.. ومن جهة ثالثة كل الأنشطة المتعلقة بالعود تشكل عنصراً مهمّاً من عناصر التنمية المجتمعية لأنها عناصر جذب لمناطق معينة تقام فيها أنشطة متعلقة بهذه الصناعة وهذا الفن.
“تمازج في الحضارات وخطوات قادمة
(جميعنا يعلم أن التراث اللامادي هو تمازج بين الحضارات، ولا يخص شعبا بذاته، فالحدود رُسمت بين الدول، بينما الشعوب لا تقسمها حدود)، هذا ما ذكرته مسؤولة برنامج التراث الحي بالأمانة السورية للتنمية رشا برهوم لتأكيدها تشابه الثقافتين السورية والإيرانية، والتي دعت لإنجاز ملف مشترك لملف كهذا.
وتابعت: الملف كان بناء على مشاورات بين الجانبين السوري والإيراني، وإنجازه يعود بفضل المجتمعات المحليّة ولعازفي وصانعي العود في المجتمعين السوري والإيراني؛ ونحن كوزارة الثقافة والأمانة السورية كان واجبنا مساعدة تلك المجتمعات في إعداد الملف بطريقة مناسبة وترشيحه لنيل الموافقة والإدراج، وهدفنا هو تعزيز الجذور الحضارية المشتركة بين البلدين وإظهار التشابه بين المجتمعات بعيداً عن أي شيء آخر، فالثقافة هي نافذة لكل العالم.
وفي مباركة ودّية من الجانب الإيراني خلال الاحتفالية صرّح السفير الإيراني في دمشق مهدي سبحاني: أبارك للشعب الإيراني والشعب السوري.. كما أبارك لمحبّي الثقافة والفن.. وما يحصل يدلّ على أنّ إيران وسوريّة لديهما الكثير من الكلام، ليس فقط في القضايا السياسية والاقتصادية، بل في المجال الثقافي أيضاً، هذه هي الذخائر المشتركة لنا؛ وعلينا فقط أن نستخرج هذه الذخائر وأن نوسّعها ومبارك للجميع .
.وبالحديث عن الخطوة القادمة ذكرت مديرة التراث اللامادي في وزارة الثقافة المهندسة رولا عقيلي أنه أي ملف لدينا يصدر على قائمة التراث، تحدث بعد ذلك خطة صون للعنصر، ونصبح ملزمين بأن نقدّم كل ست سنوات تقريرا لليونيسكو مرتبطا بالخطة الموجودة مسبقاً بالملف.
“للعود قصص حب مع الجميع”
يبدو أن هناك علاقة فريدة لهذه الآلة مع الكبار والصغار ، وعلاقة فريدة أكثر مع المرأة ، هذا ما شوهد خلال الاحتفالية التي بدأت مع ثلاثة أطفال بمعزوفات “لونغا نهاوند” “ولونغا نقري” وفي حديث ل”تشرين” عبّر لنا عازف من بينهم، وهو ربيع ابن ال١٥ عاما، عن فخره وسعادته العارمة بما قدّمه في هذه المناسبة؛ وأشار إلى أن العود معروف ويتميز عن غيره بقدرته على إيصال كمية كبيرة من المشاعر؛ لذلك يتمنى أن يبقى العزف على العود هوايته، التي ترافقه مدى الحياة.
والشابة، التي عكست شكل ودور الأنثى في التعامل و العزف على آلة العود، كانت غيثاء النقري التي تَعتَبر العود رفيق حياتها حيث قالت: مبارك لنا.. وللجيل القادم الذي ألاحظ توجّهه نحو الآلات الغربية أكثر من العود، وأنا مسرورة جدّاً بهذه الاحتفالية التي تؤكّد أهمية العود الذي يمتلك هوية خاصة؛ وهو جزء من ذاكرتنا وعاداتنا وتقاليدنا، وبالمناسبة الأنثى التي تعزف على العود تحتاج إلى مهارة وقوة أداء وتحد للذات.
وعندما نصل إلى السؤال الأهم لأصحاب الخبرة الموسيقية؛ الذين هم أصحاب نظرة أكاديمية وعملية في هذا الشأن.. تسأل” تشرين” هل بقي هناك أكثر من إدراج “صناعة العود والعزف عليه” على لائحة التراث الإنساني؟ هل هناك فرحٌ ومجدٌ أكبر؟ ويجيبنا الباحث الموسيقي وعازف العود كنان أدناوي؛ الذي قدّم خلال الحفل مع فرقته معزوفات ذات طابع احتفائي مميز: نعم يجب متابعة وتكملة المرحلة الجديدة بتاريخ العود السوري لأن انطلاقته أصبحت أكثر عالمية الآن.. وذلك ضمن برامج معينة ومناهج أوسع وانتشار أكبر لصناعة العود السوري حول العالم، ونأمل الكثير من الفعاليات والمهرجانات المستمرة.
أيضاً خلال الحفل كان هناك معرض لمجموعة متنوعة من الأعواد، وتم عرض فيلم تسجيلي قصير للحظة إعلان الخبر السار لسورية في منظمة اليونيسكو، وذلك من بين ٥٦ ترشيحا مقدّما من عدّة بلدان، وفيلم آخر عن رحلة صناعة العود والعزف عليه في سورية وإيران.
وهكذا تم تسجيل ملف “صناعة العود والعزف عليه” كعنصر خامس على لائحة التراث الإنساني لليونيسكو بعد القدود الحلبية والوردة الشامية والصقارة والقنص ومسرح خيال الظل.. وربما جاء دوره الآن ليعزف لسورية لحناً جديداً من النهضة الثقافية الفنية في سبيل الحفاظ على ذاكرتنا وهويتنا التراثية وإيصالها للعالم كله.