قلق السؤال!

ذات يوم، كان لمكتبة المنزل دورها، وكان الكتاب أقرب إلى الملحمة، أن يُلهم طفلاً ما نبوغاً، ليصير كاتباً ذات مستقبل، وكان ثمة من يتحدث عن دور المدرسة كمسرح لأدب الأطفال، ومنذ العهود القديمة، يتحدث القديس أوغسطين في اعترافاته كيف كان عليه حفظ أجزاء من الإلياذة حين كان تلميذاً، ومدارس العصر الوسيط، وعصر النهضة كان منشغلاً بإيسوب وخرافاته، وفتيات القرن الثامن عشر كنّ يحصلن على خبرتهن من كتاب.
يقول فرانسيس سبافورد في مذكراته «الطفل الذي بنته الكتب»: نستطيع أن نتذكر القراءات التي أحدثت فينا تحولات، فثمة أوقات وقع فيها كتابٌ معين داخل عقولنا، وهي على استعداد تام له شأنه شأن محلول شديد الإشباع, وفجأة تغيرنا”، والحقيقة أن الكتاب الذي ترجمته الدكتورة ملكة أبيض والصادر عن وزارة الثقافة السورية 2012 م وهو من تأليف “سيث لير” يتحدث عن هذا التغيير الذي ذكره سبارفورد في مذكراته، فهو يُبيّن كيفية صنع المخيلة المتعلمة، ويظهر الأطفال وهم يجدون عوالم جديدة داخل الكتاب أو كتباً داخل العالم.. يُخاطب الكتاب الأوساط المتغيرة للحياة العائلية والنمو الإنساني والالتحاق بالمدرسة ومجالات النشر والإعلان، تلك الأوساط التي يجد فيها الأطفال أنفسهم فجأة أحياناً، ولاشعورياً أحياناً أخرى، وقد تغيروا تحت تأثير الأدب، وهكذا فإن أدب الأطفال يتمثل في الكتب التي يجري تداولها في الطفولة تلك التي تُنمّي التواصل الاجتماعي والتي تُعلّم وتبهج خلال تفاعلها مع القراء..
يحاول الكاتب أن يعرض تاريخاً لما سمعه الأطفال وقرؤوه، قصصهم، أناشيدهم، وألعابهم, المراجع التي تمّ تأليفها حول هذه الموضوعات، أو التي جرى تكييفها للقراء من أعمار مختلفة مميزاً بين ما كتب خصيصاً للأطفال وما قرأه الأطفال. وفي فرنسا عُدّت مدينة “روان” مركزاً لكتب الأطفال في القرن الثامن عشر، وفي أواخر القرن التاسع عشر وضعت مؤسسة “بيير جول هتزل” معياراً لتأليف كتب الصغار وتسويقها، وفي أمريكا أنشئت المكتبات العامة، وأعلن عن تخصيص جوائز لأدب الأطفال، وحين أصبح كتّاب الأطفال محكّمين في الذوق والثقافة أصبح أدب الأطفال تجارة عامة.
اليوم.. وأمام هذا الدور المخزي للمدرسة، التي تُقارب اليوم ورشة صنائعية لتلقين المهارات، بدعم من المدرس الخصوصي لمساعدة الطالب بتحصيل أكبر قدر من “علامات النجاح” ليتعلم مهنة ما من خلال الجامعة، وهو الذي قضى طفولته أمام حالات بصرية مختلفة، تبدأ من برامج الأطفال “الكرتون” ومن ثم مواقع التواصل الاجتماعي، حيث الصورة التي تحد من كل الخيالات، والتخيلات، فأي بناء لعالم هذا “الكائن” المختلف تماماً عن ذلك الطفل الذي بنته الكتب ذات يوم!
سؤال مقلق عن حال الذهنية والمخيلة للطفل الذي تبنيه مواقع التواصل الاجتماعي، وعن مصير الإبداع القادم وطبيعته، بل أهميته، لكائن كان طول الوقت بعيداً عن الكتاب الحقيقي.
هامش:
لايزالُ على عادته المُزمنة،
ينسى دائماً؛ إنه سبّاحٌ ماهر
في كلِّ مرةٍ
كان يُحاولُ فيها
الانتحارَ غرقاً..

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار