عن عودة المتلقّي الضّال!!

لم يكن الشعر يوماً؛ فرحاً وسعيداً بكل هذه الحوامل التي تمّ تخزينه فيها، ولاسيما الكتاب ومخازين الكتب ومستودعاتها، وهو الذي انطلق شفاهياً تُعيدُ الألسن ترداد أبياته في فيافي الصحارى العربية،وذلك ما جعله كائناً حيّاً، يُخشى منه في هجاء، ويُلتذّ به في مديحٍ أو في فخرٍ، أو يُدمع العين في رثاء.. كائناً حياً تعددت أغراضه، وتنوعت شواغل الشعراء في قوله.
لكنه؛ وبعد مرور الكثير من القرون على تلك الحيوية، سُجنت القصيدة بين دفتي كتاب، وفي ليل العتمة العربية الطويل، بقي الكتاب مُخزناً على الرفوف، ولا أحد ينتبه إليه، تطورت القصيدة، واكتسبت جماليات جديدة، وانتهت منذ زمن بعيد من موسيقاها القديمة، وتجاوزت ذلك المتلقي الذي كان يترنم بها على حداء البعير، فكان أن تشكلت هوّة سحيقة بين الكائنين، بقي الشعر على حيويته، لكن المتلقي لم يعد فيه «حيلاً» ليقرأ، وقد هُدَّ حاله وحيله بألف مهدّة.
كان اقتراح الأماسي الشعرية، كحل لعودة «العربي» الضال إلى حضن قصيدته، غير أن كل تلك المحاولات لم تحدث سوى «جلبة» بسيطة في مخاتلة روتين مؤسسات آخرى همّها جماليات قصيدة نثر.. فكيف لمتلق أن يسمع قصيدة مُشبعة بمفردات الطبيعة كمرجٍ في فصل الربيع، وهي مُحاصرة بالجدران والأبواب الموصدة.
الشعر إذاً وككائن حي، خلق ليسرح في البراري وعند طلوع الصباحات، يسعى دائماً في الهواء الطلق، يبحث عن الشعرية المختبئة في برادة الواقع الخارجي، وتصبح مهمة الشاعر الكشف عن العلاقة بين الكائنات من حوله وذات القصيدة بعينٍ فاحصة وخبيرة في التأمل والنظر إلى الأشياء، القصيدة بحاجة للترحل والتنزه عند الشواطئ وضفاف الأنهار وربما لتتجسد في حديقة أو بالقرب من تمثال الساحة، القصيدة بحاجة اليوم لاكتشاف ملوحة البحر، وفيء ظلال الحور والصفصاف، وبحاجة لعذوبة مياه النبع، ليعود الشعر إلى كامل الحيوية، وتعود القصيدة بكامل رشاقتها.
هامش:
لن
تخشي إملاقاً بعد اليوم،
فقد ملأتُ لكِ رفوف القلب
حُباً خالصاً،
وسلالاً من أطيب الأشواق،
وخابياتٍ من الحنان القديم،
و.. بيت مونةٍ كبيرٍ
مُفعمٌ بنبيذ القُبل المُعتقة.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار