هل الزراعة تحتضر فعلاً ؟!!
بادية الونوس
يشهد قطاع الزراعة تراجعاً كبيراً وصل حدّ الانهيار بشقيه النباتي و الحيواني, وهذا ما يؤكده أصحاب الشأن, مشيرين إلى أن المشكلات التي يعانيها هذا القطاع هي تراكمية وليست مشكلة أعوام, بدءاً من صعوبة تأمين الأسمدة والمحروقات, وليس انتهاء بمشكلات التسويق .. في المقابل يدعو أصحاب الشأن إلى تركيز الاهتمام على هذا القطاع, ولاسيما أن الاقتصاد هو إنتاج وليس أوراقاً نقدية, بموازاة العمل على إعادة النظر بتسعير المحاصيل وتسهيل القروض ..إلخ لتحفيز الفلاح لمزيد من العطاء .
غصة الفلاح
يشعر أبو أحمد بغصة كبيرة بعد اتخاذه قرار بيع الأرض التي كانت تحقق له ولأسرته اكتفاءً ذاتياً، فالأشجار تموت أمامه عطشاً و ماشيته باعها لعدم قدرته على تأمين أعلافها ، ناهيك بالظروف العصيبة التي يصعب فيها تأمين المحروقات أو حتى أدنى مستلزمات الإنتاج لمحاصيله .
أبو أحمد الذي أمضى حياته لصيقاً بالأرض، قرر اليوم الاتجاه للعمل بأي مجال آخر يحقق له وفراً مادياً ليعيش وأسرته حياة كريمة في ظل هذه الظروف الضاغطة . حال أبو أحمد هو حال كل فلاح يعمل بالأرض وأمام خيارين أحلاهما مرّ , إما الاستمرار بالزراعة ضمن الإمكانات المتاحة وإما بيع أرضه والاتجاه للعمل بأي مجال آخر.
مشكلات تراكمية
في كل مرة يدقّ الخبير التنموي أكرم عفيف ناقوس الخطر لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من قطاع الزراعة الذي بدا هزيلاً إلى حدّ الوجع ، مؤكداً أن المشكلات التي يعانيها هذا القطاع هي تراكمية لسنوات طويلة وليست مشكلة أعوام , متسائلاً : هل يعقل أن يبيع الفلاح كيلو الحليب بـ ١١٠٠ ليرة , في حين تباع قنينة المياه بـ ٣ آلاف ليرة ؟!
هل يعقل أن تباع الخسة من أرض الفلاح بـ 150 ليرة ويتحول موسم الخس إلى علف للأبقار ..! بموازاة ذلك يؤكد أن أعداد الأبقار تناقصت مجدداً إلى النصف لعجز المربين عن تأمين احتياجات قطعانهم من علف وغيره.
المشكلة بالإدارة
ويضيف عفيف : من المشكلات التي تعانيها الزراعة ارتفاع تكاليف الإنتاج. إذ كانت تكلفة زراعة الدونم الواحد في السابق من ١٠ الى ١٥ الف والآن اصبحت بالمليون , في حين يكلف في الوقت الحالي ملايين الليرات, يضاف إلى ذلك ارتفاع أجور اليد العاملة، مشيراً إلى أن هناك الكثير من الفلاحين يبست محاصيلهم أمام أعينهم , وخاصة المروية لأنهم عاجزون عن شراء المحروقات التي قاربت أسعارها الأربعة آلاف ليرة لليتر الواحد ، كما أن تكلفة تشغيل البئر الارتوازية 75 ألف ليرة يومياً , بمعنى؛ تحتاج مبالغ كبيرة لتأمين تشغيل المضخات المائية فقط ، ولفت إلى أن المشكلة تكمن في بعض الإدارات التي تنظر إلى الشجرة على أنها مجرد شجرة ونحن نراها تراثَ وتاريخَ وتعبَ أجدادِنا.
إعادة نظر
يدعو عفيف إلى إعادة النظر بسياسة تسعير المنتجات الزراعية و تسويقها بأسعار مقبولة ، مشيراً إلى دور”السورية للتجارة” وتجربة التدخل في محصول (الخس) , حيث إن ذلك ينعكس على الفلاح والمستهلك إيجاباً , من خلال شرائه من أرض الفلاح بسعر معقول و بيعه للمستهلك مباشرة بعيداً عن حلقات الوساطة ، كما أن هذه التجربة محفّزة لمحاصيل أخرى .
ويختم بقوله : إن الاقتصاد ليس أوراقاً نقدية وإنما هو إنتاج , علماً أن لدينا “بحراً” من الموارد لكن المشكلة في سوء الإدارة ..!، مستذكراً الحصار في فترة الثمانينيات , حيث تم رفع سعر القمح إلى ١١ ليرة للكيلو , ما شجع الفلاحين حينها على الزراعة , و تحولت سورية إلى بلد مصدِّر لهذا المحصول بدلاً من مستوردٍ له .
يحظى بالاهتمام
رئيس مكتب الشؤون الزراعية في الاتحاد العام للفلاحين محمد خليف أوضح أن القطاع الزراعي يحظى باهتمام القيادة والحكومة، لكن الفلاح لكي ينتج يحتاج إلى تأمين مستلزمات الإنتاج من كهرباء ومحروقات وأسمدة..إلخ، فعلى سبيل المثال مرّ محصول القمح في محافظة الحسكة بظروف مناخية صعبة ولاسيما البعل منه ، ومحصول السقي أيضاً تعترضه صعوبات كبيرة مثل عدم توفر الكهرباء وعدم فتح قنوات الري لسقايته ، وكذلك عدم تمويل هذا المحصول من قبل المصارف الزراعية، لأن الأراضي تقع في مناطق غير آمنة ليبقى التمويل ذاتياً من الفلاح وفق الإمكانات المتاحة ، مشيراً إلى أن هناك توسعاً في زراعة الأراضي البعلية , ولاسيما محصول القمح بعد تحرير أراضي الجزء الغربي من الرقة .
إعادة النظر بالتسعير
للنهوض بواقع الزراعة يقترح رئيس مكتب الشؤون الزراعية إعادة النظر بتسعير المحاصيل وفقاً للتكاليف الباهظة التي يتكبدها الفلاح وتقديم الدعم والتسهيلات له للإنتاج من أرضه من خلال تمويل المصارف الزراعية للأسمدة والبذار .
تمر بمرحلة صعبة
بدا رئيس اتحاد غرف الزراعة أحمد كشتو متفائلاً بعض الشيء , إذ قال: قد تكون الزراعة ليست بالحالة المثالية لكنها مقبولة مقارنة بالظروف الصعبة التي تمر بها , بدليل أن كل المنتجات متوفرة في الأسواق لكن المشكلة بضعف القدرات الشرائية للمواطن، مضيفاً أنها تمر بمرحلة صعبة طالما هناك قسم من أراضي المنطقة الشرقية- والتي تعد أساساً سلّة الاقتصاد السوري- تحت سيطرة الاحتلال .
مقترحات
إذاً أمام هذا الواقع ما هو المطلوب لاستمرار العملية الإنتاجية ؟
اقترح أهل الخبرة عدة مقترحات, أهمها زيادة الأسعار لمحاصيل الفلاح بشكل كبير ومحفز, وزيادة الريعية الإنتاجية له من خلال دعمه بالأسمدة وتسهيل تقديم القروض, إضافة إلى دعم اقتصاد الأسر الريفية عبر تسويق منتجاتهم , مشيرين إلى أن المشكلة في الاعتماد على الاستيراد بدلاً من التصدير , بمعنى سوء الإدارة للموارد بما يصب لمصلحة المستوردين .