زيارة الرئيس الأسد إلى طهران تأكيد على العلاقات الاستراتيجية
هي إيران، صاحبة الحضارة والتاريخ، المعروفة بعراقة شعبها وتفوقه، ومساهمات مفكريه في العلوم والفن والأدب، والسلام الذي عاشته مع جيرانها منذ مئات السنين… كذلك بالمعاناة التي عاشتها وشعبها على مدى المئة عام الماضية، بعدما وقعت ضحية أطماع الغرب وتحديداً الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، لأجل دورها الحضاري ومدى تأثيرها في محيطها والعالم، إلى أن جاءت الثورة الإسلامية عام 1979، وقلبت الموازين، وأعادت تصحيح التاريخ، وقدمت قوافل الشهداء في عديد الحروب التي تعرضت لها منذ عام 1980 حتى اليوم، على مذبح مواجهة المشروع الصهيو- أمريكي في المنطقة والمد التوسعي للاحتلال الإسرائيلي ووضعت لأجله حجر الأساس لمشروع المقاومة الممتد من طهران إلى بيروت ودمشق وبغداد واليمن، وصولاً إلى غزة والقدس.
وهي سورية أصل وأرض الحضارات ومنبعها والتي أكد شعبها على مدى التاريخ بصمته وهويته العربية السورية بدمائه، ورسم ملامحها وحافظ على كبريائها وعنفوانها وحيويتها وتقاليدها، فكان من النادر لها أن تكون أرضاً مستقرة ومستقلة وبحدود آمنة، من دون أن يدفع أهلها الثمن ويقدمون التضحيات فداءً لها، حالها كحال إيران، إذ لطالما تعرضت لحروب وغزوات الطامعين والمحتلين وتآمر الأشرار نتيجة موقعها الجغرافي، ومخزونها الثقافي والحضاري الإنساني، وثرواتها، ومواقفها السياسية، ودفاعها عن الأمة العربية وشعوبها.
وبعد استقلالها، وتحديداً منذ فجر الحركة التصحيحية المجيدة التي قادها القائد المؤسس الراحل حافظ الأسد استطاعت سورية تحقيق قفزات نوعية تنموية واقتصادية وثقافية واجتماعية وعلمية هامة، الأمر الذي جعل منها دولةً عصريةً تعتمد على قدراتها الذاتية الضامنة لحرية واستقلال قرارها الوطني.. واختارت طريق الصمود والتصدي للمشروع الصهيو أمريكي وأدواته الإسرائيلية والتركية والغربية والإره*ابي*ة التكفيرية، لكي تضمن حرية وكرامة الشعب العربي والذود عن الأمة واسترجاع الحقوق.
أكثر من عشر سنوات، ولاتزال سورية تتعرض لأبشع أنواع العدوان الوحشي والهمجي لهذا المشروع عبر الوكلاء الدوليين والإقليميين والعملاء والأدوات الإر*ها*بية المتطرفة والتكفيريين، وفي ظل هذه الظروف الصعبة وقفت الجمهورية الإسلامية الإيرانية وأحزاب وفصائل محور المقاومة إلى جانب الدولة والشعب السوري كتفاً إلى كتف، في وقتٍ تخلى عنها أغلبية الأشقاء، وتكالبت عليها دول الغرب لإسقاطها وتدميرها.
ومن خلال العقود الأربعة الماضية للنضال المشترك والتعاون المميز الذي كرس طبيعة العلاقات الأخوية والتاريخية، تأتي أهمية الزيارة التي قام بها الرئيس بشار الأسد مؤخراً إلى طهران والتقى فيها سماحة المرشد السيد علي الخامنئي، والرئيس إبراهيم رئيسي تتويجاً واستمراراً لعقود النضال والتعاون المشترك والدعم الإيراني اللامحدود لسورية، ووقوف البلدين معاً في وجه المشروع الصهيو- أمريكي ومقاومة الاحتلال الإسرائيلي مخططاته التوسعية، دفاعاً عن الأرض والسيادة والكرامة والمقدسات في ظل التطبيع والخذلان والانقسام العربي.
في وقتٍ فوجئ فيه البعض بالزيارة وتوقيتها وأهدافها وسط المتغيرات الإقليمية والدولية، بالتوازي مع عودة سورية للعب دورها الإقليمي والدولي واستمرار الجنون الأمريكي وإخفاقاته وهزائمه في ظل النفاق الدولي السائد والقيم الأمريكية المهترئة المزيفة ووقاحة الاحتلالين التركي والإسرائيلي، ودخول الأوروبيين إلى بيت الطاعة الأمريكي وتصاعد الحديث الإعلامي لبعض المغرضين بضرورة تخلي سورية عن علاقاتها مع إيران، وعودتها إلى ما سموه «الحضن العربي»، من دون مطالبة هذا الأخير بإعادة تعريف نفسه وتأكيد هويته العربية مجدداً، وإعادة تصويب البوصلة والسلاح نحو العدو الإسرائيلي وضبطهما بتوقيت محور المقاومة مجتمعاً، على إيقاع نبضات القلب الدمشقي النابض دائماً وأبداً بالعروبة.
لن يستطيع هؤلاء استيعاب الزيارة وأهدافها ورسائلها، وأن يفهموا كلام السيد الخامنئي وتأكيده على استمرار الدعم الإيراني لسورية «لاستكمال انتصارها على الإر*ها*ب وتحرير بقية الأراضي السورية»، وتأكيده بأن سورية «تحقق انتصاراتٍ تاريخيةٍ بفضل ثبات وشجاعة رئيسها وقوة وصمود شعبها وجيشها»، وإشادة الرئيس الإيراني بـ«مقاومة الشعب السوري للإره*اب والتكفير»، وحديث الوزير عبد اللهيان بأن «الزيارة فتحت أفقاً جديداً في العلاقات الإستراتيجية بين البلدين»، كذلك تصريح المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، بأن دمشق «بدأت بمرحلة جديدة في المنطقة، وأنها ماضية نحو إعادة الإعمار»، وتأكيده على ضرورة «تعزيز العلاقات الثنائية الإستراتيجية» في كل المجالات.
يثمن السوريون كلام الرئيس الإيراني حول «تحديد المقاومة لمستقبل المنطقة وفلسطين، وليس طاولات التفاوض واتفاقيات مثل أوسلو وكامب ديفيد وصفقة القرن»… كما ثمّن الشعب الإيراني وقيادته، كلام الرئيس بشار الأسد حول «صوابية الرؤى والنهج الذي سارت عليه سورية وإيران في مواجهة الإره*اب»، وضرورة «الاستمرار في التعاون من أجل عدم السماح لأمريكا بإعادة بناء منظومة الإر*ها*ب الدولية»، وأن «تضحيات أبطال المقاومة أعادت فرض حضورها وأهميتها في وجدان العالم العربي والإسلامي»، وبأن إيران هي «البلد الشقيق والصديق والشريك الوفي».
من الواضح أن الإدارة الأمريكية وكيان الاحتلال الإسرائيلي وأدواتهما، لن يكونوا سعداء مع التنامي المستمر في العلاقات السورية الإيرانية، ولن يستطيعوا فهم طبيعة العلاقات الإستراتيجية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وارتباط المصير والمسار بين الدولتين والشعبين المبني على أسسٍ راسخة متجذرة، بدأت منذ قرون وستستمر وستبقى النموذج الساطع في سماء العلاقات الأخوية الصادقة والوفاء والاحترام المتبادل.