” الثابت والثابت “
لم يحظَ أي تحالف، على مرّ العقود الخمسة الماضية، بما حظي به التحالف السوري الإيراني، الذي أتم عامه الثالث والأربعين هذا العام، من تحليل ومحاولات في الاستقراء والتنبؤ بالمآلات التي يمكن أن يصل إليها، فيما التراسيم التي تشير إليها المحطة السابقة، أي إتمامه لعامه الثالث والأربعين، تقول إن عصبه الآن بات أقوى مما كان عليه في أي يوم مضى، والشاهد هو أن الخط البياني الذي ارتسم بعيد انتصار الثورة الإيرانية 1979 ظل يسير في منحى تصاعدي، وبشكل يوحي بأنه هو الثابت الذي يصعب حدوث تغيير عليه برغم كم التحولات الهائل التي راحت تتراكم في محيطيه الأقرب فالأبعد .
يمكن القول إن زيارة الرئيس بشار الأسد إلى إيران 8 أيار الجاري، والتي التقى من خلالها مرشد الثورة آية الله علي خامنئي والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، قد جاءت في سياقين هامين اثنين، أولهما التأكيد على متانة ذلك التحالف، ومعه التأكيد على ثوابته التي فرضتها حقائق التاريخ و ثوابت الجغرافيا القائمة في المنطقة، وثانيهما التأكيد على التنسيق وتبادل وجهات النظر في ظل التحولات العالمية الحاصلة منذ بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا أواخر شهر شباط المنصرم، ومعها التحولات الجارية أيضاً على المواقف الإقليمية التي راحت- في سياق تموضعاتها الجديدة- تتلمس هبوب الرياح التي لن تقف إلّا بعيد بروز توازنات دولية جديدة، وهي لا تشبه بالتأكيد تلك التي سادت ما بين عامي 1991 و 2021 .
مرة أخرى يأتي السياق العام للأحداث ومساراتها ليثبت أن ” البوصلة ” التي اعتمدتها كل من دمشق وطهران ماضية، شأن ما كانته على الدوام، في تحديد ” اتجاه الشمال ” الصحيح، الفعل الذي سيترك آثاره على ضفاف المشهد الإقليمي الذي يرقب اتجاه تلك البوصلة ما يمكن رصد العديد من المؤشرات على حدوثه في الآونة الأخيرة ، ولربما كانت التموضعات الإقليمية الجديدة، التي سعت العديد من دول المنطقة من خلالها إلى إظهار شكل من أشكال ” التفلت ” من ” القبضة الأمريكية ” على خلفية التوازنات الجديدة التي أفرزها الصراع الأوكراني، أبرز تلك المؤشرات التي من المقدر لها أن تزداد فقاعة كلما تزايد انقشاع الضباب في هذا الأخير .
يشير ما تسرب عن أجواء الزيارة، وهو قليل، إلى أن قيادة البلدين عازمتان على تعزيز تحالفهما المفيد ليس لهما فقط بل ” للمنطقة أيضاً ” وفقاً للتعبير الذي استخدمه مرشد الثورة الإيرانية، والفعل يستحضر تأكيد الثوابت بدءاً من محورية القضية الفلسطينية التي أكد عليها الرئيس الأسد، ثم وصولاً إلى التعاون ” من أجل عدم السماح لأمريكا باستعادة بناء منظمات الإر*ها*ب الدولية ” وفقاً للبيان المشترك الذي صدر في أعقاب انتهاء أعمال الزيارة .
الثابت الآن أن طهران تقف على أعتاب دور إقليمي بارز، وحليفتها دمشق باتت هي الأخرى على أعتاب استعادة الدور الإقليمي المحوري الذي اضطلعت به على امتداد نصف قرن، ونفض الغبار عن ” عشرية سوداء ” كانت مفاعيلها الكبرى تتأتى بمؤثرات خارجية أرادت تغييب ذلك الدور الذي كان، وسيظل، محورياً في استقرار المنطقة .