ربما هي المرة الأولى بعد سنوات الحرب القاسية ، نرى المواطنين “يغامرون” رغم ضيق الحال بالنزول إلى الأسواق بهذه الكثافة وشراء “الفرحة” خلال أيام عيد الفطر ولو “بكنزة” رخيصة الثمن أو حتى المرور؛ مرور الكرام لـلفرجة.
هذه “الطفرة” التجارية التي حرّكت الأسواق الراكدة في زمن التضخم وفراغ الجيوب، مردها إلى عادة “التحويش” أقله في مدينة حلب، إذ تصرف العائلة “ما ادخر” حتى لو عانت الأمرّين في بقية أيام الشهر، ولا يمكن قطعاً نسيان الأثر الاقتصادي للمنحة الرئاسية والحوالات من المغتربين في تنشيط الواقع التجاري ولو فترةً محدودة.
“كثافة” المواطنين المفاجئة في أسواقنا ، يؤمل ألّا تُفهم بوجود وفرة في المال تتيح بحبوحة في العيش وقدرة إضافية على التحمل، فالحال المعيشية معروفة وبيِّنة، ولولا تلك “البحصات” من هنا أو هناك لكان حال “الجرة” بـ”الويل”، وربما تكون إحدى “شيفرات” معجزة الأسر في المواءمة بين تكاليف المعيشة الكبيرة والأجور الشهرية القليلة، والتساؤل المشروع هنا: إذا كانت المنحة قد حركت الأسواق، فكيف سيكون الحال عند اتخاذ قرار بزيادة رواتب “معتبرة” يُضبط معها شره التجار وتلاعبهم بالأسعار على هواهم، وخاصة أن هذه الزيادة ستكون دوارة في الأسواق وتعود إلى الخزينة، وتالياً قرار اتخاذها أجدى مليون مرة من بقائها حبيسة دراسات وأفكار مرهونة بتوفر الإمكانات المادية، المقدور تأمينها عند استثمار ذكي لموارد البلاد وتحصيل المال من أيدي الفاسدين، وسحب البساط من السوق السوداء في موضوع الحوالات الخارجية، عبر تمكين إرسالها بقنوات رسمية بدل تركها تضيع في مسارب سوداء تفقد الخزينة العامة حصةً وازنة بسبب قرارات غريبة وغير مفهومة.
حركة الأسواق المحلية خلال فترة عيد الفطر أعطت مؤشراً إيجابياً ومتفائلاً، لكن العبرة في استمرارية ضخ النشاط التجاري والصناعي، وهذا متاح عند التفكير من خارج الصندوق والابتعاد عن عقلية رمي المسؤولية في ملعب الحصار وحروب الدول الأخرى، وخاصة أن بلادنا تمتلك مزايا غير موجودة في بلدان أخرى، ولا تحتاج سوى إلى أيدٍ خبيرة وحنونة وقادرة على استثمار مواردها الكثيرة على نحوٍ مدروس وتوجيهها صوب القطاعات الأكثر فاعليةً ومردودية، والثمار وقتها لن تقتصر على زيادة الرواتب، فالزبدة الأهمّ هي الأمن الغذائي والمعيشي الذي يتحصّل بخيرات وموارد أرضنا ومعاملنا القادرة على ضخ سلع بأسعار مقبولة بعيداً عن داء المستوردات و”المعونات” ما يحقق وفرةً وديمومة في الخير والشراء، كما تعودنا، وليس طفرة في العيد ..؟!