لبن “السوداء”..؟!

” حتى لو كان “لبن العصفور” وليس غازاً وبنزيناً ومازوتاً فقط… السوق السوداء ترحب بكم مادام “المعلوم” متوافراً…أما الشراء بالسعر المدعوم فغير متاح.. معادلة غريبة نشعر بمرارتها كل فترة عبر تكرار أزمة محروقات تثبت بالدليل القاطع تغول الفساد “المتشرش” والعجز الواضح في إدارة ملف المحروقات الدسم الذي يقطف ثماره الفاسدون دوماً عبر تسريب المليارات إلى جيوبهم في وقت تخسرها الخزينة ويدفع المواطن الثمن مراراً من دون التمكن من مكافحة تجار هذه السوداء، الذين ما كانوا ليسرحوا ويمرحوا لولا التراخي في محاسبتهم.
اليوم نسمع أخباراً متداولة عن معاقبة صاحب كازية في هذه المحافظة أو تلك من جراء متاجرته بالمحروقات المدعومة وتحصيله مليارات الليرات من التلاعب في بيعها للمواطنين، مع لحظ رفع المسؤولين سقف تهديداتهم وإنزالهم أشد العقوبات بحق المخالفين لناحية إغلاق المحطات المخالفة وإلغاء الترخيص وتطبيق عقوبات قانون حماية المستهلك رقم 8 المشددة، وهذه خطوة جيدة وإن جاءت متأخرة، لكن السؤال المطروح : هل الفساد في ملف المحروقات يقتصر على أصحاب الكازيات الذين ما كانت تجارتهم “رابحة” إلّا إذا كان هناك فاسد يتعاون أو يغض النظر مقابل تقاسم الغنائم، فهل سنشهد محاسبة فعلية لكل المتورطين من جميع الجهات ليكونوا عبرة لغيرهم على نحو يسدّ منافذ الفساد الكثيرة في هذا الملف، ويضمن ضبطاً لتوزيع المشتقات النفطية ومنع سرقة حصص المواطنين، والتمكن من محاصرة أزمة المحروقات والحيلولة دون تكرارها عبر إيجاد حلول واقعية تحمي المواطن والمال العام من الفساد والتجارة السوداء ممن ينعمون بالعيش الرغيد بينما تعاني النسبة العظمى من الشعب ضنكَ الحياة.
مكافحة الفساد الجلي في سرقة المحروقات المدعومة يحتاج جملة خطوات أولها توحيد سعر المحروقات، فوجود أسعار متفاوتة بين مدعوم وحرٍّ وغيرها يفتح الباب على مصراعيه للمتاجرة غير المشروعة بالمشتقات النفطية، التي يتوجب تسليم إدارتها إلى مديرين مشهود لهم بالكفاءة والأيدي البيضاء، مع تطبيق مبادئ المحاسبة والتقييم منعاً للتقصير والفساد لكون دسامة المكاسب قد تحرف النفوس السليمة عن نهجها القويم في ظل رواتب “عاجزة” يفرض واقع الحال تصحيحها ورفعها مع تقديم تعويضات وحوافز مشجعة ، ولنا في تجارب أزمات المحروقات القاسية بفاسديها وتجارها “عِبَرٌ” تُحكى…وحتى يكون “الحكي” مفيداً لا بدَّ من قرارات جريئة توحِّد الأسعار ولا ترفعها وتقضي على رؤوس الفساد وحيتانه في السوق السوداء وداخل الكثير من مؤسساتنا .

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار