التذوق والتقديس.!
ما إن يعطي اختصاصي ما، في القانون أو الطب، أو مشاهد صاحب عين دقيقة بالمتابعة، ملاحظة على هذا المسلسل أو ذاك، أو يكتب صحفي أو ناقد مقالاً يسلّط الضوء فيه على الأفعال والأحداث غير المسوغة درامياً، حتى ينهال عليه جمهور من المعجبين بمسلسلهم الأثير بكلمات تتهكم على ما فعله، مشيرين له إلى أن ما شاهدوه، ليس سوى تمثيل بتمثيل وأن عليهم أن يصمتوا وألّا يشوهوا لهم استمتاعهم بالمسلسل، وأن كل ما ذكروه حتى لو كان صحيحاً هو ليس بذي قيمة عندهم، لأنهم يريدون أن يستمتعوا فقط، والمغالون جداً يدعون علينا جميعاً بالذهاب إلى الجحيم نحن وملاحظاتنا.!
تبدو ردود الأفعال والأقوال تلك، من حيث المبدأ ذات وجه حق، وأن من حقهم أن يستمتعوا، من دون أن يعكّر ذلك عليهم أحد ولو من غير قصد، لكن مادام من حقهم ذلك فمن حق غيرهم أن تكون لهم ردود فعل مختلفة وأن يعبّروا عنها سواء بمنشور على صفحة »غروب« فني أو على صفحة» تواصل« خاصة، أو في مقال، وقراءة ذلك ليست فرضاً على أحد، لكن الأهم من ذلك، أن من حسنات وسائل التواصل أنها تعوّض ولو نسبياً الاحتكاك الذي حُرمنا منه نحن البشر بسبب عدم حضور العروض المسرحية إلاّ في مناسبات مهرجانية أو احتفالية، فما الذي يمنع أن نتبادل الآراء حول أي مسلسل سواء كانت ملاحظاتنا صحيحة أو غير كاملة الصواب، فمن شاء يأخذ بها أو فليهملها، كما أن المتعة بأي عمل فني لا تكتمل إلاّ من خلال معرفة مقومات هذا العمل الإبداعي، فكرياً وفنياً، وهذا لا يتم إلاّ بالتدريب والقراءة، وتالياً نستطيع معرفة لماذا هذا المسلسل أجمل من غيره، بعد تناوله بالتحليل والنقد، إذ لا يكفي أن نعتمد على ذوقنا الفطري، وعواطفنا تجاه هذا الممثل أو تلك الممثلة، بل لا بدّ من الثقافة في أكثر من جانب مادام المسلسل يعتمد على حقول منها، فعدم معرفة الكاتب والمخرج بأي تفصيل علمي أو قانوني، قد ينسف له بعض الأحداث، فيصاب البناء الدرامي للمسلسل بالتصدع.
أن نحبَّ مسلسلاً ما، لا يعني أن نقدّسه هو و كاتبه ومخرجه ومَنْ مثّل فيه! فهم ليسوا ملائكة، وماداموا يتوجهون لنا، فمن حقنا أن نوجّه لهم ملاحظات، ولكي نستمتع أكثر، لا بدّ من أن نرتقي بآلية تذوقنا، من دون أي تقديس لفكرة أو لأحد.