“أسمدة” للدراما السورية!!
صحيح أن جزءاً من الدراما التلفزيونية السورية ساهم في تقديم خطاب تنويري، بشكل متقن، كأعمال الثنائي حسن سامي يوسف، ونجيب نصير وأعمال دلع الرحبي ومسلسل «رياح الخماسين» للكاتب أسامة إبراهيم، وبعض أعمال أمل حنا، ومسلسل «المفتاح» لخالد خليفة، على سبيل الحصر لا القصر، لكن الدراما السورية أمست الآن بحاجة لأسمدة حتى تعزز ما زرعته في تربة الأمس، ولتكرّسَ ما لم يتم توطينه في المشاهدين.. صحيح أن الدراما للمتعة والتسلية وهي الأكثر انتشاراً ومتابعة، إلاّ أن المتعة لا تتحقق إلاّ في شقين؛ فني وفكري، فتوافرهما يعطي الأثر المطلوب، ويسهم في تحقيق الهدف الأعلى لهذه الدراما.. والكلام هنا يخص الدراما الاجتماعية التي خاض الكثير منها في وحل التقاليد والعادات البالية، نقدتها ونقضتها، بما أنها من موروثاتنا التي يجب أن يعاد فيها النظر لكونها ساهمت في تكلس عقول الناس.
وعليه فإن أخفق مسلسل أو أكثر في طرح مسألة ارتباط الناس من أديان مختلفة، لا يعني أن هذا الارتباط غير صحيح، وغير مجدٍ أن يتم طرحه ومعالجته بأكثر من مسلسل، بل من الضروري طرحه إلى أن يتقبل الرأي العام قانون الزواج المدني وتالياً تستجيب الجهة المختصة بتشريعه قانوناً. ومن دون أن ننسى معالجة ما يسمى “جرائم الشرف” بشكل أكثر عقلانية وتوجهاً إنسانياً. كما أنه من الضروري طرح الإيمان بقيمة العمل، وبقيمة العلم أولاً، الذي به تطورت الأمم، وأن نسلط الضوء على ما هو إيجابي لنكرّسه، كما نسلط الضوء على السلبي لننفّر الناس منه وندينه، ما يستدعي ضرورة تلك الأسمدة أن تظل – مع الأسف- دراما الشريحة المتنفّذة على رقاب معظم شرائح المجتمع التي تنهب خيرات البلد وتعاقب الناس على هواها، وترجح كفة العدالة لمن لا يستحقها، وتدين وتعدم الناس البريئين، وتكوّن ثروات بشكل غير قانوني، وتعيش في قصور وفيلات وتمتلك سيارات آخر رفاهية في حين أن أغلب المواطنين لا يستطيعون ركوب أي حافلة نقل جماعي، وتتكرر تلك الشخصيات بمواقع سلطة من دون أن نعرف من هي، أن تظل تلك الدراما هي الرائجة كما راجت مسرحيات كثيرة كنا ننبهر بها، وإذ بها فقط لإقناع معظم شرائح المجتمع أن هؤلاء مصيرهم الموت وسيحاسبون، وهم أبعد عن ميزان العدالة بحكم سطوتهم التي لا تخفت، فما فتئت تتكرر شخصيات ومواضيع بين مسلسل وآخر، بلبوسات متنوعة وبأزمنة مختلفة، وبأبطال متعددين، لكنها كلها لا تسمن ولا تغني من جوع، جوع إلى أفكار تشغلنا وتحرضنا على تنمية وعينا بكل ما يفترض أن يجعلنا أفضل.
وقد تسألون: هل لدينا أولاً الكتّاب الذين يستطيعون مقاربة ذلك بسيناريوهات متقنة فنياً، وبمنأى عن المباشرة كي لا تكون المقاربة منفرة، بل تحمل خيوط جذب لتأتي ثمارها فاعلية وتفاعلاً؟ بالتأكيد لدينا كتّاب وكاتبات آخرون بالإضافة لمن ذكرناهم بالاسم، لكنهم يحتاجون الدعم في استقبال أعمالهم وتبنِّيها من قبل شركات إنتاج تؤمن بنصوص جديدة أكثر صلة بما يجب أن نتجاوزه من أفكار وتقاليد ومعتقدات، نصوص تشتبك من خلال ما ستقدمه من شخصيات وأحداث وحوارات، مع كل ما هو بائد، فكرياً وتربوياً وسياسياً وثقافياً وقانونياً وأخلاقياً. وبخصوص هذه المسألة يلاحظ غياب مؤسسة “سيريانا” الحكومية للإنتاج التلفزيوني التي لها عمل واحد فقط هذه السنة، كما نحن بحاجة إلى ما كنّا ذكرناه وذكره غيرنا، عشرات المرات، إلى فضائيات جديدة لتستقبل ما يُنتج، فهي وحدها من يضمن لشركات الإنتاج تسويق ما تود إنتاجه، فتغامر وتسخو على الأعمال التي ترغب في إنتاجها.