سينوغرافيا الشارع
ثمة أمر في تجميل المدن؛ غالباً ما يُطلق عليه «فرش الشارع»، وذلك مقارنة بـ«فرش البيت» ذلك أن الشارع لا يعدو أن يكون منزلاً واسعاً لمختلف شرائح القاطنين في المدينة، وحتى للقادمين إليها لغاياتٍ وأغراضٍ مختلفة.. تبدأ من قضاء بعض الحاجات وصولاً للسياحة والتنزه..
و«فرش الشارع» تماماً كفرش البيت؛ يخضع لثقافة القائمين عليه، وذلك بالكثير من الملامح، فالعمارة الدمشقية من خلال الأبواب الواطئة، والبحرات الواسعة، والنباتات في ساحة المنزل، وغيرها الكثير من الزخارف والأقواس.. كلها أعطت للبيت الدمشقي ملامحه الخاصة التي ميزته عن الكثير من البيوت الأخرى في مناطق مختلفة، وإذا ما خرجت من البيت إلى الشارع، فإنّ ثقافة الشارع التي تأتي من الجدران والأرصفة والحدائق وواجهات المحال، وحتى لوحات الإعلان ووسائل النقل العامة.. جميعها تُعطي ملامح عامة لثقافة مدينة، ومن ثمّ لثقافة أمة..
وما يُمكن أن يلاحظه المرء في شوارع المدينة السورية، وحتى في قراها؛ هو حالة التشوّه التي تأتي من غير سبب.. منها ارتباك في حالة الانتماء، وهنا يبرز ضعف الهوية والتباسها.. وتمّ الحديث مطولاً في أن جلّ المحنة السورية يكمن في التباس ثقافة الهوية، وهو ما ظهر من حالات التخريب المتعمدة حيناً، واللامبالاة والحيادية تجاه وطن كأنه «أوتيل» في مدينة غريبة..!
فالحدائق تصبح مكباً للنفايات، وأظن أنّ الكثيرين شاهدوا بأم العين مخلفات الزائرين في الحدائق والمتنزهات، والحالة المُخزية للنفايات المتروكة والمرمية في البرك والبحرات، ناهيك بالتخريب والتذويق على الملامح الجمالية للمدينة، وصولاً لإيجاد أعمال تدعي “الفنية”, وليست أكثر من تخريب للذوق الثقافي، بما فيها من لوحات إعلان وحتى حالة التغريب في الأعمال الفنية التي تأتي بعيدة عن الذائقة المحلية.
ويشمل «فرش الشارع» على ما يروي عميد كلية الفنون الجميلة السابق الفنان محمود شاهين: مواقف الباصات والآرمات، ولوحات الإعلان، ومقاعد الحدائق، وسلات المهملات، ونشر الأعمال الفنية في فضاءاتها، وإكساء أسوار وواجهات الأبنية بالحجر وجدران الأنفاق بالرخام والسيراميك.. ويُضيف: مرت عقودٌ ثلاثة على محاولات مرتجلة وقاصرة لتجميل الشارع الدمشقي، واليوم تعود لتظهر محاولات من نوع آخر؛ ما يجعلها لا تُجمّل الشارع، بل تزيد من بشاعته..
هامش:
سيظلُّ السياجُ عالياً،
والياسمينةُ
تعبرُ هوّة الجرح..
حولي يتطاولُ كلُّ هذا،
والبهو
فارغٌ تماماً..