رغم الغلاء.. وليمة ” الأرحام ” و”سكبة” الجار طقوس رمضانية باقية وتتجدد.. والجود من الموجود
لا تزال العديد من التقاليد والطقوس الرمضانية في محافظة درعا التي تحمل في طياتها معاني الألفة وصلة الأرحام والتكافل الاجتماعي متواصلة، بل يمكن القول إن وتيرتها ازدادت بحكم الظروف الاقتصادية الصعبة، وذلك رغم ما قد تتطلبه هذه العادات من التزامات مادية قد تكون مرهقة للكثيرين.
وتأتي صلة الأرحام أو “العنايا” في قائمة العادات الواجبة في الشهر الفضيل، فعلاوة على كونها شعيرة دينية واجبة وموروثا اجتماعيا موجودا أصلاً، تكتسي صلة الأرحام في رمضان طابعاً ذا قدسية أكثر، ويرى عبد اللطيف أحمد من أهالي قرية القنية أن هذه الفضيلة تغدو في رمضان طقساً بطعم الألفة والمودة لا يكتمل الشهر من دونه، والمقصود بالعنايا هن الأرحام كالأخوات والبنات والخالات والعمات وبنات الأخ وبنات الأخت اللاتي تشكل صلتهن من قبل الآباء والإخوة بل الأعمام والأخوال أنموذجا في التواصل والبر.
وتتنوع أشكال طعمة العنايا –حسب قول أحمد – من شخص إلى آخر حسب الحالة المادية فهنالك من يكتفي بدعوة العنايا لمأدبة إفطار مرة أو مرتين خلال الشهر المبارك، و كثيراً ما تكون الوجبة التي يتم تحضيرها، المنسف الحوراني المعروف ب”المليحي” المصنوع من اللحم، وهي الوجبة التي كادت تغيب عن موائد كثير من الأسر في المحافظة بسبب تكاليف تحضيرها الباهظة وباتت أكبر من أن يستطيع البعض تحمل نفقاتها، فارتفاع أسعار اللحوم وحتى البرغل حال دون تحضيرها بشكل دائم، ولكن هذه الوجبة تكون الحاضر الأبرز حين دعوة العنايا لمأدبة الإفطار، لافتاً إلى أن ثمة من يقدم لعناياه مبالغ مادية حسب حالته وقدراته.
ويضيف: إن صلة الأرحام تسمو لدرجة الواجب في هذه الظروف الاقتصادية الصعبة التي تفرض أشكالاً مضاعفة من التكامل الاجتماعي وخصوصاً إذا كان الأب أو الأخ مقتدراً فعندها يجب أن يكون البذل مضاعفاً “فالأقربون أولى بالمعروف”.
وللجار نصيب
وتعد سكبة الجار من العادات ذات البعد الاجتماعي التي لا تزال محافظة على أصالتها وخصوصاً في مناطق الريف كدليل على التكافل الاجتماعي والإحسان إلى الجار وهنا يشير اسماعيل السعدي إلى أن هذا الموروث الحسن مرتبط ارتباطا وثيقا بالشهر الفضيل حيث يتبادل الجيران بعضا من افضل ما يعدونه من أطباق على موائدهم ويتولى الصغار مهمة نقل الأطباق قبيل موعد الإفطار.
ولفت السعدي إلى أن هذه العادة المحببة لها دلالات اجتماعية عميقة خصوصا أن من الجيران من هم من أصحاب الدخل المحدود وممن ليس لديهم القدرة على إعداد الوجبات غالية الثمن فتأتي “سكبة” الجار لتكمل مائدته المتواضعة بأطباق شهية، من دون ان ينسى أن يقوم بملء طبق مماثل مما قامت ربة المنزل بإعداده حتى لو كان طعاما متواضعا.
وتظل “لمة” العائلة على سفرة الإفطار التي يتصدرها كبير العائلة، العادة الأكثر تميزا في رمضان فالكل موجود حتى الصغار يحجزون لأنفسهم مكانا على المائدة لا يقل أهمية عن الكبار، ويحظى هؤلاء وخاصة الصائمين منهم بنصيب وافر من مستلزمات السهرة الرمضانية، التي لا تكتمل من دون الحلويات الرمضانية التي تشتهر بها المحافظة والتي تتصدرها القطايف والكنافة “عقال الشايب” ومما جادت ربة المنزل بتحضيره من عصائر وأطباق حلويات محلية الصنع.