بورتريه رمضان.. تنويعات سلوم حداد على خيل الدراما
لحينٍ من الزمن، كان سلوم حداد – الفنان السوري الأشهر – الذي لا ينزل عن صهوة حصانه، كـ«الزير سالم».. حيناً، يغزو “بني مرة” على مدى أكثر من ثلاثين حلقة، مُعيداً تركيب صورة أخرى لذلك البدوي العربي الذي بقي يُحارب قومه أكثر من أربعين سنة للأخذ بثأر أخيه، الذي اغتاله غدراً ابن عمّه؛ ومشتغلاً على إعادة تلك الصياغة للحكاية الشعبية، بعد أن (شلّحها) الراحل ممدوح عدوان فستانها الأسطوري الذي ارتدته قروناً طويلة.
ثم تلوّن بالأسود ليؤدي دور (أبو زيد الهلالي) لكن هذه المرة بذات ما استقرت عليه الذائقة والحكاية الشعبيتان، سلوم حداد؛ الذي أول ما لفت إليه الانتباه، كممثلٍ مُبدع يصعد بقوة ليأخذ مكانه في الصف الأول مع ممثلين سوريين آخرين، وكان ذلك في مسلسل (الخشخاش) الذي – ربما – يكون المسلسل السوري الأول، أو كان له قصب السبق في توجيه الأنظار لمشكلة خطيرة تهدد مجتمعات العالم؛ وهي مشكلة “تعاطي المخدرات” وترويجها.. ومن يومها، سلّوم حداد، يُغني مشهد الدراما السورية، بعشرات الأدوار التمثيلية، تنوعت بين الكاتب العاشق – كما في شخصية ضياء الراعي – في مسلسل (الخريف)؛ إلى زعيم حارة شعبية، وغيرها تنويعات درامية لا تحُصى.
الفنان حداد؛ الذي يفرد تلك التنويعات، ويُضيف إليها الكثير في موسم الدراما 2022، ويأخذ مساحة واسعة في مسلسلين على الأقل، أدوار يبتعد فيها عن التماثل، وإن كان الرابط بينها خبرة فنية عدتّه في تجسيد شخصيات كانت منذ قليل ميتة، أو غافية بين أحضان سيناريو ورقي، ضخَّ فيها الكثير من دمه، لتقول الحكاية بكامل صدقها الفني.
في مواسم الدراما السابقة، شارك حداد في مسلسلات كثيرة؛ أبرزها: الندم، خاتون، زوال.. في الأول، وهو المسلسل الذي اقتبسه حسن سامي اليوسف عن رواية بذات الاسم، وأخرجه الليث حجو، وخلاله، يقوم حداد بدور أكبر تاجر لحوم في الشرق الأوسط، والذي صار كذلك من حادثة غريبة، وهو ابن حارة عشوائيات؛ الأمي المشرد في الشوارع، عندما كان طفلاً لا يتعدى السنوات العشر ، وكانت صدمته عندما يجد من طلب حاجة وهو المنبوذ على الدوام، وكان الطلب من امرأة له، لأن يذبح لها ديكاً ستقدمه طعاماً لزوار حضروا فجأة، ولم تجد من يذبحه لها، فكان أن خرج هذا “المشرد” في وجهها.. تلك الحادثة الصادمة التي ستخلق منه تاجراً جباراً يُنشئ هذه الإمبراطورية التجارية.
أما في مسلسل خاتون، الذي كتبه طلال مارديني، وأخرجه “المتخصص” في مسلسلات الحارة؛ تامر إسحاق، يأخذ فيه سلوم حداد دور زعيم هذه الحارة، لكنه هنا؛ لم يخرج عما حفظته الذهنية والذائقة المحلية والعربية، وحتى في المعالجة الدرامية لما صار معروفاً في دراما كهذه، حارة دمشقية، وهي هنا حارة العمارة، والعلاقات بين أبنائها على خلفية مناوشات مع عناصر مخفر الدرك الفرنسي.. ويأتي الدور المهم لسلوم حداد، فيما جسده بشخصية الماشي على بركة الله في مسلسل (زوال)؛ كتبه يحي بيازي وزكي مارديني، وأخرجه أحمد إبراهيم أحمد، وفيه يُجسد ضمير حارة في عشوائيات العاصمة، كل الإشارات تدل على أنها حي (ركن الدين)، يتناول المسلسل مكوّناً سورياً آخر لم تنتبه إليه الدراما السورية سابقاً، بعلاقات أبناء هذه الحارة مع بعضهم أولاً في ترتيب حيواتهم في هذا الحيز الضيق، وفي علاقاتهم مع مؤسسات الدولة.
في موسم هذه السنة يُجسد سلوم حداد شخصية (طبّال) في مسلسل (جوقة عزيزة)، إخراج تامر إسحاق، وتأليف خلدون قتلان.. والسؤال ماذا يبقى من هذا المسلسل لو غابت منه هذه الشخصية؟! وبرغم أن الكثر انتقدوا أداءه لدور شخصية “الطبّال”، أو (حمدي حميّها) في جوقة (نسرين طافش)، وما يُثيره النداء من إيحاءات وتأويلات، باعتبار (الشخصية) لا تليق بتاريخ وتنويعات سلوم حداد على مدى أداء عشرات الشخصيات، بل ولا يليق به دور (السنيّد) لنسرين طافش التي بدا دور البطولة فضفاضاً عليها وفائضاً.. غير أننا هنا نذكرهم بدوره بشخصية ” أبو نجيب” في مسلسل (البرغوث)، وهو من بطولة العديد من ممثلي الدراما السورية؛ كان أبرزهم أيمن زيدان، ورشيد عساف، وهو من إخراج أحمد إبراهيم الأحمد، وتأليف محمد الزيد، ويتكوّن من جزأين، وشخصية (أبو نجيب) كانت مُريعة لما احتوته من صفات الرداءة للبشر من لئم ونميمة وغير ذلك، لكنه أبدع في أدائها.. من هنا من المجحف انتقاد الفنان على دوره بقيمة الشخصية وليس بإتقان أدائها وصولاً للصدق الفني، وكما تتطلب تلك الشخصية من أداء، ومن الصدق في الأداء.. ولجوقة نسرين طافش بقية من حديث.