تحرير المأثور
أقوال مأثورة أو أمثال؛ هي نصوص مُنجزة، ومُنتهى كامل الإيمان بها؛ بحيث أنها وصلت لمرتبة النصوص المقدسة، أو تكاد، حيث لا يأتيها الباطل لا من خلفٍ أو قدّام، وعلى سبيل المثال لا الحصر؛ ثمة من قال في زمن ما، ولأجل حدثٍ ما: “قل لي من تُعاشر؛ أقل لك من أنت!!”.. يا للهول، ألهذه الدرجة واثقٌ أنت من استنتاجك، ومن حكمتك؟، ماذا لو سألتك: من أنت حتى تستطيع أن تعرفني بمن أعاشر؟ هل أنت واثق من (حكمتك المُطلقة)، ماذا لو قلتُ لك؛ إنني أعاشر رجال الدين، والكثير من المُتقين.. هل ستستنتج إنني مؤمن تقي، أو رجل دين، أو قلت لك لا أعرف سوى الفاسدين واللصوص.. هل ستحكم عليّ أنني فاسد ولص؟!.. عندها سأقول لك: كم أنت محدود التفكير، وقليل الحيلة، وتبني أفكارك على أرضٍ من رمالٍ متحركة، وليس على أرضٍ صلبة وثابتة.. ثم ماذا لو قلت لك؛ أنا نفسي لا أعرف من أنا، حيناً أكون قديساً، وطوراً أشعر بشعور أي قاطع طريق، فكيف لك أن تعرفني بمن أعاشر؟!!..
أنت يا صاحبي أعطيت عطالة فكرية لدماغك وفكرك، فركنت لما قاله من سبقك في بيئةٍ وزمانٍ غير زمانك وغير بيئتك، أنت أعطيت لنفسك مساحة واسعة آمنة –أو هكذا تظن – من الحكم والأقوال التي أمست في لا وعيك الكسول أشبه بالمقدسة، وهكذا بقيت في الماضي المُنتهي الصلاحية زماناً وبيئةً وأحداثاً؛ كان خلاصتها ما وصل إليه الأقدمون، ومن ثمّ نُقل إليك، وها أنت ترفعه بوجهي مدعياً قدرتك على معرفتي من خلال مجموعة الناس التي أعاشرها، مع أنّ أيّاً منهم لا يشبهني بشيء، أنا هنا انجذبت لمن يختلف معي، وليس لمن يُماثلني؛ إذاً هل انتبهت على مدى الخطأ الفادح في مقولتك واستنتاجك الذي لا تزال تردده نقلاً عن أجدادك إلى اليوم.. فكيف لي أن أحصي من أعاشر، وأنا أعاشر العشرات المختلفين كل يوم وكل ساعة، والمحنة في كل ما تقدم؛ إنّ هناك عشرات الباحثين والمؤلفين يبنون نصوصهم وأبحاثهم بكامل الطمانينة على تلك المقولات (المأسورة)، نعم المأسورة من الأسر، وليس المأثورة، والتي على الباحث والمفكر اليوم تحريرها من أسرها..
هامش:
تعالي أصبُّ
عليكِ جامَ محبتي
نوقفُ هذا العمر الزاحف؛
وننثرُ في وجهه الجلنار،
فلا يزالُ الرمانُ على غوايته؛
يُشعلُ التوهج في القلب
وفي الخدين.