الهياكل المتزعّمة المزعومة
من ركائز السيطرة العالمية واستمرار التمركز القراري السيادي والتحكم بالعالم أجمع عبر الكونترول هياكل فولاذية سخّرت جميع الأسلحة والأدوات لجعلها حارقة مشعة تبهر العقول والبصر والبصائر، وأي اقتراب منها يعرّض المقترب لسلسلة من العقوبات، ونهايتها الإبعاد والإقصاء وحتى القتل، وشهدنا كثيراً من قصص الرعب حول ذلك, ومن هذه الهياكل التي تحولت لمسلّمات قبل الفترة الحالية ، الدولار ومكانته العالمية وتسيّده عمليات التبادل الاقتصادي بكفالة وسيطرة و تحكّم الولايات المتحدة والتي قفزت فوق كل الاتفاقات الدولية ، وكانت تعد الذهب المعادل للعملات والموازن لقوتها الأفقية والعمودية، ولكن القوة العسكرية والهيمنة والاستلاب والاستبداد فرضت معادلة الدولار أساس التبادل والتداول، وهو أهم حتى من الذهب في حجم الاقتصادات وفي حجم الاحتياطات وممنوع الاقتراب منه تحت طائلة المسؤولية التي تصل إلى تدمير البلدان وتحويلها إلى أرضٍ قاحلة وتفقيرها، وبث كل الأمراض الآنية واللاحقة، كيف لا وحتى قرارات المؤسسات الدولية وبرامجها ومخرجاتها في إطار تقوية هذه المعادلة وحمايتها وتجذيرها وجعل مطبعة للدولار أقوى من أي اقتصاد حقيقي لأي دولة، ومن هذه المعادلات صنع هيكل لتسويق وعولمة اقتصادات فقاعية وهمية تشكل شرايين تبادل أسعار ووقود بورصات وأسواقاً مالية وأسهماً شكلت أغلب الاقتصاد العالمي.
المهم لما قبل التطورات الأخيرة صنع هياكل فولاذية حول هذه المعادلات صعبة الاختراق وخطرة الاقتراب والحصانة النفسية عبر إرهاب تقني وإعلامي وإجرامي وعبر تهديدات علنية ومبطنة شكلت ضمانات لاستمرار هيبة الهياكل وبالتالي استمرار التفرد بالقيادة والتغرد بالرفاه والاستقرار لبلد كله تناقضات ومشاكل تصدّر للغير على حساب استمرارية نهب ثروات العالم بنسب تختلف بين المركز والأطراف والتبعية له واستمرارية عرقلة تنمية البلدان الأخرى واستمرار التبعية وقطع أي محاولات مستقلة للبناء والتطوير.
ولكن الأيام الأخيرة وخاصة بعد التطورات المتزامنة مع الحرب الروسية- الأوكرانية والعقوبات القاسية التي أصدرتها كلٌّ من الولايات المتحدة وأتباعها والتي أغلبها اقتصادية والمصدّات الروسية, والتي إلى اليوم قلبت السحر على الساحر والتهديد وبدء فرض بيع للغاز والنفط الروسي للدول التي تخندقت كعدو لها بالروبل أو الذهب على أساس الغرام ٥٠٠٠ روبل أصبحت تبث أفكاراً وأعمالاً وتشققات بالهياكل قد تؤدي إلى شروخات كبيرة تغير المعادلة وتنعكس على أغلب المحددات والقوانين والتي تكرست وتجذرت إبان الحرب العالمية الثانية وبعد العدوان الثلاثي وتؤدي لمحاصصات جديدة ولتغيرات اقتصادية جغرافية سياسية و لمناكفات ولتمردات ولتوزيعات تطول العمق التاريخي الجغرافي وتوابعها ومستعمراتها السابقة بئر النهب المستمر، ولم تقتصر الفكرة على الروبل وإنما تبعتها باليوان الصيني الذي لم يشهر بوجه التبادل الدولاري في هذه الفترة التي صرّحت بها السعودية بتصدير خمس نفطها به ولكن سابقاً طالما صدّرت تصريحات عن استبدال الدولار باليوان والروبل وغيرها من العملات, وهذا اختراق كبير لهيكل نفسي رهيب قلما استطاع أحد الاقتراب منه ولو بالتلميح والكل مترقب لانعكاسات هذا التحدي و لتنفيذ التهديدات ومدى تواتر النتائج على العالم وعلى الإدارة العالمية وكيفية وأسلوب الولايات للدفاع عن قوتها الدولارية التي هي أقوى من الردع النووي، أو هل هناك تناغمات وتفاهمات على الإطاحة بالعملة الأوروبية الموحدة وملء الفراغ بالدول القادمة بقوة لتشاركية بالقيادة العالمية..حتى اليوم انعكست هذه التصريحات والأفعال بقوة على حماية العملة الروسية وتقويتها ومواجهة قوية للعقوبات، ويبقى السؤال والتساؤل: هل ستكون هناك حوارات ومفاوضات لحصر التأثير بمحدودية التقاسم والتناغم لدول القيادة العالمية الجديدة والمتجددة، أم ستكون حرباً طاحنة غير مهادنة تكسر الهياكل وتغير القواعد والمعادلات وتقزّم دولية الدولار وبالتالي تتعدى الخسائر الدول واحتياطاتها لأفراد معولمي الثروات ومعولمي الأفكار كنزوا وجمعوا وأمّنوا دولاراتهم لبنوك دول العولمة, وتالياً خسائر متوالية ومتتالية في ظل ترقب وخوف وضياع في أسلوب التعاطي والتعامل لحماية ثرواتهم وتقليل خسائر تبعيتهم وثقتهم بقوى لا يثق بها إلا فاقدو البصر والبصيرة.
العالم أجمع يترقب ويراقب ويراهن..
هل نشهد تحطيم الهياكل وعودة متواترة لأنسنة العالم وتقويض غرائز التوحش الرأسمالي المغالي في معاكسة البيعة وسيرورة النشء والخلق ..
أم خسارة الرهان والاستيقاظ من أحلام سعيدة في ظل حلكة الواقع ووحشية المجابهة للحفاظ على هياكلهم المزعومة والمسمومة؟ حلكة السواد التي أثبتت فشل برامجهم و معادلاتهم المدمرة القاتلة المستمرة بالاتباع وقتل الاستقلالية والتي برهنت على سلاح الخصوصية وتقوية الانتماء وحماية الهوية ..