مسرحية “حمام روماني” .. استغرقت في الإضحاك وغفلت عن هدفها
مسرحية ثانية عرضت في اليوم الرابع باحتفالية اليوم العالمي للمسرح في قصر الثقافة بحمص للكاتب البلغاري “ستاتسلاف ستراتييف” ومن إنتاج دائرة المسرح القومي بحمص، إعداد وإخراج فهد الرحمون. تعطي نصوص الكاتب البلغاري المخرجين فرصة الاعتماد على الكوميديا والمفارقات رغم ما تطرحه من نقد لاذع لمؤسسات الحكومة في أي بلد يشبه ما كان يحدث في بلغاريا.. فليس عبثاً اعتماد الكاتب الاسم ذاته للشخصية الرئيسية في هذه المسرحية، ومسرحية “الغنمة” المأخوذة عن “سترة من المخمل” التي عرضت قبل يومين، فتكرار ذلك لتوسيع دائرة الدلالة عما يطرحه من خلال معاناتها وما يود تسليط الضوء عليه من فساد في المجتمع. فكما في مسرحية “الغنمة” التي قاربناها في مقال سابق، كذلك في هذه المسرحية يحمل بطلها اسم ” إيفان أنتونوف/ ثائر محمد” الذي حظي ببطاقة تؤهله للسفر إلى شاطىء البحر للاستجمام، ومنذ البدء تتم الإشارة للمفارقات فكانت إدارة المؤسسة التي يعمل فيها إيفان تمنحه البطاقة في الشتاء ورغم أنها المرة الأولى التي تمنح له صيفاً لكنه لم يحظ بوسيلة نقل تقله إلى هناك فيقرر العودة لمنزله الذي كان قد تركه في عهدة ورشة لترميم البيت اذ يكتشفون فيه حماماً أثرياً وهذا ما يعرفه عندما يعترضون على وجوده رغم أنه صاحب البيت. فأول المستقبلين له هي البعثة الإعلامية التي تتابع الحدث والتي لم تكترث له، وهي التي تعد رسالة تلفزيونية عن الاكتشاف وتلتقي عمال ترميم البيت الذين اكتشفوا الحمام ثم تلتقي المذيعة/ ندى جوخدار، وعالم الآثار والاختصاصي بالتنقيب (رامي جبر) والمكلف الإشراف على الحمام المكتشف ومتابعة عمليات التنقيب، وبعد أن تنسحب المجموعة التلفزيونية التي كانت تتابع الحدث، والتي نفّذّت بتقنية “سلوميشن” السينمائية، أي الحركة البطيئة، يبدأ الحوار بين صاحب البيت وعالم الآثار الذي لم يتوصل معه لسبيل كي يترك المنزل، ثم تأتي “مارتا/ ديانا منعم” خطيبة عالم الآثار التي يفضل عليها ما سيحصل عليه من شهرة ومكاسب ورحلات سفر ومشاركات في مؤتمرات دولية خاصة بالحفريات الآثارية، فتتخلى عنه وترتبط بعلاقة عاطفية مع صاحب المنزل. أي تبدأ تتكشف لنا ما الفوائد التي سيحظى بها الآخرون من هذا الاكتشاف فيما عدا صاحب البيت الذي نكبت حياته وآلت إلى فوضى، فمرة يأتي تاجر عقارات يريد شراء المنزل بمبلغ خيالي، ويفاوضه “تسيكوف/ مهرب آثار” ويعده بمبلغ كبير أيضاً مقابل تعاونه معه والسماح له بسرقة الحمّام.
ولكي تكتمل الكوميديا السوداء لهذه الحكاية يحضر رجلان “سافا/ أحمد الدروبي” و” اسين/ هادي المرعي” وقد عينهما الاتحاد الرياضي كمشرفين على الإنقاذ في المسبح الذي هو الحمام المكتشف! لتبدأ مشاهدهما المثيرة والمتقنة كوميدياً لكنها وكما بعض المشاهد التي سبقتها، تم الاستغراق فيها بإضحاك المتفرجين، فشوّشت على الرسالة الأساسية أو على خطاب المسرحية رغم جمال تلك المشاهد والأداء المتقن لفريق التمثيل طوال العرض. ويحضر في الآخر لجنة برئاسة “المحافظ/ سامر سلوم” التي تود أن تستثمر الحدث أيضاً في رفع مستوى الحي وخدماته وربما أسعار عقاراته، لكن كل تلك الضغوط والإغراءات كان صاحب المنزل يرفضها، فالكل يريد أن يعبث بهذه الثروة التي هي رمز لثروات البلد. وفي مشهد ختامي يهبط من الأعلى ما يشبه خاتما أي أوراق رسمية فوق الجميع كانت معلقة طوال العرض في الفضاء المسرحي الذي استثمر سينوغرافياً بشكل جيد وكنا نظن أن الممثلين سيرتبكون في الحركة إلاً أنهم استطاعوا التعامل مع ديكور “أحمد ديبان” بكل مهارة.
يذكر أن ستة من الممثلين جسدوا أكثر من شخصية، بمساحات متفاوتة وبمهارة. لكن ما يحرم العرض مقاربته للنص بإتقان، طول بعض مشاهده، كما في مسرحياته السابقة التي أخرجها الفنان الرحمون، فيحرم إيقاع العرض من الانضباط. أمّا استغراق العرض بالكوميديا، فيخفض من التركيز على المقومات الفكرية لخطاب المسرحية، ألا وهو الفساد وفنونه التي تحكم مفاصل المؤسسات، ومظاهر الحياة برمتها، ناهيك عن الخاتمة التي ظلت غير واضحة الدلالة. ورغم ذلك يُعدّ العرض عملاً ممتعاً ربما نشاهده في عروض لاحقة بالضوابط التي يحتاجها والتي سنشير إلى خطأين إضافيين، الأول: إن كان “إيفان” لم يذهب في رحلة الاستجمام وفق إشارته بأنه لم يستطع تأمين وسيلة نقل ولم يلحق بالطائرة وتحسّر على بطاقة دعوة الاستجمام، فآب لمنزله، فكيف استطاعت ورشة الترميم أن تكتشف الحمام بسرعة؟ والأمر الآخر المتعلق به، يخص مصمم الديكور فلماذا رأينا شبه اكتمال للحمام المكتشف، إذ كان حرياً بالمخرج الذي أعد النص أن يحقق رحلة الاستجمام لنقتنع باكتشاف الحمام الأثري من ورشة الترميم، أو توجيه مصمم الديكور بعدم إكمال الحمام.
بطاقة العرض :
الممثلون (ثائر محمد، رامي جبر، ديانا منعم، ندى جوخدار، آصف حمدان، الحسن سرور، أحمد الدروبي، ماجد عبد الحميد، سامر سلوم). الفنيون ( مساعد المخرج: آصف حمدان.تصميم الديكور: أحمد ديبان. تصميم الأزياء: رانية جانسييز. تنفيذ مكياج: سلاف الرحمون. تصميم إضاءة: محمد الحسين, الموسيقا: ضحى الشدود.)