أبواب الفساد
وقفَ أمام أحد الأكشاك القريبة من مكان عمله في إحدى المديريات العامة، وطلب من البائع أن يشتري منه “كروزات” دخان كانت بيده، سأله صاحب الكشك كم يريد ثمنها؟ قال: لا أدري فأنا لا أدخّن ولكن أتتني “هدية” من أحد المراجعين، وبالتأكيد لا يخفى ما تعنيه كلمة هدية في دائرة أو مديرية ما، وما الغرض منها.. وهنا بيت القصيد.
إذ إن فرض بعض الموظفين هذا الأسلوب على المراجعين ينطوي في جزء منه على انحدار أخلاقي وعدم خوف من المحاسبة، ولكن المبررات جاهزة وهي قلة الأجور، والحاجة هي من تدفعه لذلك، فماذا يُنتظر من موظف لا يكفيه راتبه بدل مواصلات نصف شهر؟ وطبعاً هنا لا نعمم، أو نبرر لمن يرتشي، ولكن نؤكد نقطة مهمة وهي أنه لو كانت الأجور تكفي فربما انتفت الأسباب لحدوث حالات استغلال موقع وظيفي.
بالتأكيد سيناريوهات عدة تم طرحها لتحسين الرواتب، ومن بينها أن رفع الدعم عن بعض الشرائح سينعكس على الأخرى الأكثر حاجة، كما أنه سينعكس زيادة في الأجور، وسيكون له أثر إيجابي في توفر المواد وسهولة الحصول عليها، ولكن ها قد مضى على القرار حوالي شهرين ولم نلمس تحسناً على مستوى المعيشة ولا على توفر المواد التي وعدنا بقصر مدة الحصول عليها وتوفرها, فعلى سبيل المثال بات طبيعياً أن تمر مئة يوم ولا نحصل على أسطوانة غاز مستحقة بمبررات نقص الكميات، بينما هي متوفرة كما غيرها من المواد في السوق السوداء، وهنا نضع عشرات إشارات الاستفهام!
وإذا ما عدنا إلى الأجور والرواتب فهي لم تتحسن بل على العكس تتهاوى قيمتها لتصبح أكثر “هزالة” أمام هجمة ارتفاعات متواصلة للأسعار.. وهذا ما يفتح أبواباً وأبواباً للفساد وبأوجه متعددة.
وبما أن المثل السائد يقول “طعمي التمّ بتستحي العين” فلنجعل عين الموظف تستحي من مؤسسته بأن تعطيه أجراً يكفيه الحاجة ولا تدعه يستحي من مراجع حمل له “هدية” أو رشوة يؤمِّن بها بعضاً من حاجات أسرته مقابل تمرير معاملات ربما يكون بعضها من “فوق الأساطيح”.. فلعلّ في ذلك تضييقاً لدوائر فساد بالجملة!