” لكَ كل شيءٍ في هذا العالم فقمْ “
يأتي التصعيد الحاصل في الأراضي الفلسطينية المحتلة ليؤكد سقوط الرهان على أن ركام الأحداث كان كافياً للتخفيف من وهج القضية الفلسطينية التي ما انفكت منعرجاتها تزداد وعورةً منذ ” أوسلو ” 1993 ، وأن هذا الشعب بات وحيداً بعد أن فرضت رياح ” الربيع العربي ” على داعميه التخفيف من هذا الفعل الأخير، وفرضت على آخرين إعادة ترميم الطرقات الموصلة فيما بينهم وبين سلطات الاحتلال، فيما المبررات عديدة وعلى رأسها القول: إن ” الواقعية السياسية ” تقتضي النظر إلى الصراع بمناظير أخرى غير تلك التي كانت مستخدمة على امتداد سبعة عقود سابقة لبدء ذلك الصراع .
ما جرى يوم الجمعة الماضية 15 نيسان، الذي شهد اقتحام شرطة الاحتلال وقواته الخاصة حرم المسجد الأقصى، يؤكد أن سلطات الاحتلال ماضية نحو معركة ” كسر عظم ” مع الهوية الفلسطينية وتجذرها على أرضها، ويؤكد أيضاً أن هذي الأخيرة تبدي تلاحماً في شارعها الذي بات يشكل خط الدفاع الأول في تلك المعركة ، متقدماً بذلك على قياداته التي تعيش حالةً من الانقسام على وقع الاختلاف الحاصل في الرؤى ، وتناحراً فرضه تباين السياسات الناجم- في كثير من الحالات – عن ارتباطات مع قوى إقليمية تريد تعزيز مواقعها انطلاقاً من الساحة الفلسطينية التي تستعيد اليوم بريقها كمركز للصراع الدائر في المنطقة، والذي من دون إيجاد حلٍّ عادلٍ له ، يستحيل على هذي الأخيرة الدخول في مناخات الهدوء والاستقرار .
يرمي الشباب الفلسطيني وراء ظهره اليوم بكل أوهام ” اتفاقات السلام ” التي تبين أنها لم تكن أكثر من ” مسكنات ” لمرض عضال ، فيما الرهان الأكبر كان على ولادة أجيال مثقوبة الذاكرة ، أو هي تميل للتساكن مع هذا ” الورم ” ، وهو ، في مساره ذاك ، يبدي تلاحماً من النوع الملغى لتلك المصطلحات التي اصطنعها فكر الاستيطان من نوع ” فلسطيني الـ 1948 ” و ” فلسطينيي الـ 1967 ” ثم ” أجيال ما بعد أوسلو 1993 ” ، والشاهد هو أن كل المحاولات التي جرت في ذاك السياق قد أثبتت فشلها ، وما يجري اليوم يثبت أن وعي الشارع يتفوق على نظيره الذي تبديه قياداته ونخبه، ومهما لامس ذلك الوعي من شوائب هامشية، فإنّ مساره الذي يختطه يبقى أكثر ديناميكية ومرونة من ذاك الجمود الذي تبديه تلك القيادات، ومعها النخب ، تجاه أسئلة المصير والوجود .
للفلسطيني اليوم كل شيء في هذا العالم ، وإذا ما كان غسان كنفاني قد أردف مقولته سابقة الذكر بطلب فعل القيام الذي عنى به النهوض بشتى معانيه، فإن ذات الفلسطينيين الجماعية أثبتت على الدوام أنها قادرة على أن تفعل، وها هي تفعل فتنجح في تهشيم الصور، و إطاراتها التي تحاول أن تبرز العكس .